﴿ إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ أي هو الذي يزينها لهم فكأنها منه.﴿ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ كانوا يوهمون المؤمنين أن غزاتهم غلبوا.﴿ بِضَآرِّهِمْ ﴾ أي المؤمنين.﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ أي بمشيئته فيقضي بالقتل والغلبة ولما نهى تعالى المؤمنين عما هو سبب للتباغض والتنافر أمرهم بما هو سبب للتواد والتقارب فقال:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآية كانوا يتنافسون في مجلس الرسول عليه السلام فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض.﴿ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ ﴾ أي انهضوا في المجلس للتفسح لأن مريد التوسعة على الوارد يرتفع إلى فوق أمروا أولاً بالتفسح ثم ثانياً بامتثال الأمر فيه إذا أمروا والظاهر أن قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾.
معطوف على الذين آمنوا والعطف مشعر بالتغاير وهو من عطف الخاص على العام وقيل: ﴿ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ﴾ من عطف الصفات والمعنى يرفع الله المؤمنين العلماء درجات فالوصفان لذات واحدة وقال ابن مسعود وغيره: ثم الكلام عند قوله: ﴿ مِنكُمْ ﴾ وانتصب ﴿ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ بفعل مضمر تقديره ويخص الذين أوتوا العلم درجات فللمؤمنين رفع وللعلماء درجات.﴿ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ ﴾ إستعارة والمعنى قبل نجواكم وعن ابن عباس أن قوماً من المؤمنين واغفالهم كثرت مناجاتهم للرسول عليه السلام في غير حاجة إلا لتظهر منزلتهم وكان صلى الله عليه وسلم سمحاً لا يرد أحداً فنزلت مشدّدة عليهم أمر المناجاة وهذا الحكم قيل نسخ قبل العمل به فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال علي كرم الله وجهه: ما عمل به أحد غيري أردت المناجاة ولي دينار فصرفته بعشرة دراهم وناجيت عشر مراراً أتصدّق في كل مرة بدرهم ثم ظهرت مشقة ذلك على الناس فنزلت الرخصة في ترك الصدقة.﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم ﴾ الذين تولوا هم المنافقون والقوم المغضوب عليهم هم اليهود. قال السدي ومقاتل:" انه عليه السلام قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان فدخل عبد الله بن أبيّ بن سلول وكان أزرق أسمر قصيراً خفيف اللحية فقال عليه السلام: علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال له فعلت فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت "والضمير في ما هم عائد على الذين تولوا وهم المنافقون أي ليسوا منكم أيها المؤمنون ولا منهم أي وليسوا من الذين تولوا وهم اليهود وما هم استئناف اخبار بأنهم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما قال عليه السلام" مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه ".﴿ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ أي أحاط بهم من كل جهة وغلب على نفوسهم واستولى عليهم.﴿ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ ﴾ فهم لا يذكرون لا بقلوبهم ولا بألسِنتهم وحزب الشيطان جنده.﴿ كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ ﴾ أي كتب في اللوح المحفوظ.﴿ وَرُسُلِيۤ ﴾ أي من بعث منهم بالحرب ومن بعث منهم بالحجة.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ ﴾ ينصر حزبه.﴿ عَزِيزٌ ﴾ يمنعه من أن يذل وبدأ في قوله:﴿ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ ﴾ أولاً بالآباء لأن الواجب على الأولاد طاعتهم فنهاهم عن توادهم ثم ثنى بالأبناء لأنهم أغلق بالقلوب ثم أتى ثالثاً بإِخوان لأن بهم التعاضد ثم أتى رابعاً بالعشيرة لأن بها التناصر وبهم المقاتلة والتغلب والتسرع إذا ما دعوا.﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ تعالى وهو الهدى والنور واللطف والإِشارة بأولئك كتب إلى الذين لا يوادون من حادّ الله ورسوله قيل والآية فنزلت في حاطب بن أبي بلتعة وقيل وهو الظاهر أنها متصلة بالآي التي قبلها في المنافقين الموالين لليهود وقيل غير ذلك.