﴿ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ ﴾ قد أخبر أنهم لا ينصرونهم فلا يمكن نصرهم إياهم بعد إخباره تعالى أنه لا يقع وإذا كانت الضمائر متفقة فقال ابن عطية: معناه ولئن حاولوا ذلك فإِنهم منهزمون " انتهى ". والظاهر أن الضمير في ليولي الأدبار وفي ثم لا ينصرون عائد على المفروض أنهم ينصرونهم أولاً أي ولئن نصرهم المنافقون ليولن المنافقون الأدبار ثم لا ينصر المنافقون ورهبة مصدر رهب المبني للمفعول كأنه قيل أشد مرهوبية فالرهبة واقعة منهم لا من المخاطبين والمخاطبون مرهوبون فالخبر عنه مخوف لا خائف والضمير في صدورهم قيل لليهود والمعنى رهبتهم منكم أشد من رهبتهم من الله.﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ أي بنو النضير وجميع اليهود.﴿ جَمِيعاً ﴾ أي مجتمعين متساندين يعضد بعضهم بعضاً.﴿ إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ﴾ لا في صحراء لخوفهم منكم وتحصينها بالزروب والخنادق.﴿ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ﴾ يتسترون به من أن تصيبوهم.﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أي إذا اقتتلوا بعضهم مع بعض كان بأسهم شديداً أما إذا قاتلوكم فلا يبقى لهم بأس لأن من حارب أولياء الله خذل.﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً ﴾ أي مجتمعين ذوي ألفة واتحاد.﴿ وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ﴾ أي وأهواؤهم متفرقة وكذا حال المخذولين لا يستقر أهواؤهم على شىء واحد موجب ذلك الشتات وهو انتفاء عقولهم فهم كالبهائم لا تتفق على حالة.﴿ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ ﴾ كمثل خبر مبتدأ محذوف أي مثل بني النضير مثل الذين من قبلهم قريباً وهم بنو قينقاع أجلاهم الرسول عليه السلام من المدينة قبل بني النضير فكانوا مثلاً لهم قاله ابن عباس ذاقوا وبال أمرهم قريباً من عصيانهم أي لم تتأخر عقوبتهم في الدنيا كما لم تتأخر عقوبة هؤلاء.﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في الآخرة.﴿ كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ لما مثلهم بمن قبلهم ذكر مثل مع المنافقين والمنافقون كالشيطان وبنوا النضير كالإِنسان والجمهور على أن الشيطان والإِنسان إسما جنس يورطه في المعصية ثم يفر منه كذلك أغوى المنافقون بني النضير وحرضوهم على الثبات ووعدوهم النصر فلما نشب بنو النضير خذلهم المنافقون وتركوهم في أسوأ حال ولما انقضى في هذه السورة وصف المنافقين واليهود وعظ المؤمنين لأن الموعظة بعد المصيبة لها موقع في النفس لرقة القلوب والحذر مما يوجب العقاب وكرر الأمر بالتقوى على سبيل التوكيد أو لاختلاف متعلق التقوى فالأولى في أداء الفرائض لأنه مقترن بالعمل والثانية في ترك المعاصي لأنه مقترن بالتهديد والوعيد ولما كان أمر القيامة واقعاً لا محالة عبر عنه بالغدو وهو اليوم الذي يلي يومك على سبيل التقريب.﴿ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ ﴾ هم الكفار تركوا عبادة الله تعالى وامتثال ما أمر واجتناب ما نهى وهذا تنبيه على فرط غفلتهم واتباع شهواته.﴿ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ حيث لم يسعوا لها في الخلاص من العذاب وهذا من المجازاة بالذنب على الذنب عوقبوا على نسيان رحمة الله تعالى بأن أنساهم أنفسهم ثم ذكر مباينة الفريقين أصحاب النار في الجحيم وأصحاب الجنة في النعيم.﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ ﴾ من باب التخييل والتمثيل كما مر في قوله﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ ﴾[الأحزاب: ٧٢] ودل على ذلك وتلك الأمثال نضربها للناس والغرض توبيخ الإِنسان على قسوة قلبه وعدم تأثره لهذا الذي لو أنزل على الجبل لتخشع وتصدع وإذا كان الجبل على عظمته وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع فابن آدم كان أولى بذلك لكنه على حقارته وضعفه لا يتأثر وتقدم شرح المهيمن والجبار القاهر الذي جبر خلقه على ما أراد.﴿ ٱلْمُتَكَبِّرُ ﴾ البالغ في الكبرياء والعظمة.﴿ ٱلْخَالِقُ ﴾ المقدر لما يوجده.﴿ ٱلْبَارِىءُ ﴾ المميز بعضه من بعض بأشكال مختلفة.﴿ ٱلْمُصَوِّرُ ﴾ الممثل.


الصفحة التالية
Icon