﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً ﴾ ذكر بلداً توطئة للصفة، كما تقول: كان هذا اليوم يوماً حاراً. تريد كان هذا اليوم حاراً. إذ لم يشر إليه إلا وهو بلد. وآمنا: ذا أمن، أو على الاتساع نحو نهاري صائم ولما بنى في أرض مقفرة لا ماء يجري ولا مزرعة للقطان بها دعا الله بالأمن وبجباية الأرزاق إليها وآيس من الله بقبول الامامة في ذريته سأل الله تعالى. فقال:﴿ وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ ﴾، ومن آمن بدل من أهله ولم يكن ليدعو لمن كان كافراً بل يدعو عليه، كما في الحديث:" اللهم اشدد وطأتك على مضر "ولما كانت مكة قفر الاماء بها ولا نبات بارك الله فيما حولها كالطائف وغيره وأنبت فيه أنواعاً من الخير.﴿ قَالَ وَمَن كَفَرَ ﴾.
قرىء ﴿ فَأُمَتِّعُهُ ﴾ مشدداً ومخففاً." واضطره " بفتح الهمزة وكسرها وبإِدغام الضاد في الطاء وبضم الطاء وبالنون في فتمتعه ثم نضطره. ومن في موضع رفع إما موصولة وإما شرطية. ولا يجوز أن تكون في موضع نصب على الاشتغال والضمير في قال الله تعالى. وجوزوا أن تكون في موضع نصب بفعل محذوف تقديره قال، وارزق من كفر. قال الزمخشري: ومن كفر عطف على من آمن كما عطف ومن ذريتي على الكاف في جاعلك. " انتهى ". ولا يصح لأن عطفه عليه يقتضي التشريك في العامل فيصير التقدير قال إبراهيم وارزق من كفر. وينافي هذا التركيب قوله: فأمتعه قليلاً ثم اضطره. ثم قد ناقض الزمخشري قوله هذا وأساء الأدب على إبراهيم عليه السلام بما يوقف عليه في كتابه. وفي تفسيرنا هذا الموضع من كتابنا الكبير ولأبي البقاء هنا منع أن يكون من مبتدأ موصولاً ورددناه عليه هناك. وقرىء: فأمتعه قليلاً ثم أضطره، أمراً فيهما. فالضمير في: قال لإِبراهيم، ومن شرطية أو موصولة، ويجوز كون النصب على الاشتغال وانتصب قليلاً على تقدير زماناً قليلاً أو تمتعاً قليلاً. (وقول) ابن عطية في قراءة من قرأ اضطره بكسر الهمزة: انه على لغة قريش في قولهم لا إدخال بكسر الهمزة مخالف لما نقله النحاة من أن الحجازيين يفتحون حرف المضارعة مما أوله همزة وصل، ومما كان ماضيه على فعل يفعل، أو من ياء مزيدة في أوله. نحو: يعلم، وينطلق، ويتعلم. وقال الزمخشري في قراءة إدغام الضاد في الطاء: هي لغة مرذولة. وظاهر كلام سيبويه أنها ليست لغة مرذولة، ألا ترى إلى نقله عن بعض العرب في مجمع مضطجع قال: ومضطجع كثير. فدل على أن مضطجعاً كثير والاضطرار الالجاء واللز إلى العذاب والمصير مصدر أو مكان والمخصوص بالذم محذوف أي صيرورته إلى العذاب أو النار.