﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الآية هذه السورة مدنية ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر تأييد من آمن على أعدائهم اتبعه بذكر التنزيه لله تعالى وسعة ملكه وتقديسه وذكر ما أنعم به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بعثته إليه وتلاوته عليهم كتابه وتزكيتهم فصارت أمته غالبة سائر الأمم قاهرة لها منتشرة الدعوى كما انتشرت دعوة الحواريين في زمانهم.﴿ وَآخَرِينَ ﴾ الظاهر أنه معطوف على في الأميين أي وفي آخرين من الأميين لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون وذلك إشارة إلى بعثته عليه السلام.﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ﴾ هم اليهود المعاصرون له عليه السلام كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها فلم يطيقوا القيام بها حين كذبوا الرسول وهي ناطقة بنبوته عليه السلام شبه صفتهم بصفة الحمار الذي يحمل كتباً فهو لا يدري ما عليه أكتب هي أم صخر أو غير ذلك وإنما يدرك من ذلك ما يلحقه من التعب.﴿ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ﴾ قال الزمخشري: بئس مثلاً مثل القوم " انتهى ". فخرجه على أن يكون التمييز محذوفاً وفي بئس ضمير يفسره مثلاً الذي ادعى حذفه وقد نص سيبويه على أن التمييز الذي يفسر المضمر المستكن في نعم وبئس ما أجرى مجراهما لا يجوز حذفه والمخصوص بالذم محذوف التقدير بئس مثل القوم المكذبين مثلهم روي أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب يهود المدينة ليهود خيبر إن اتبعتموه أطعناكم وإن خالفتموه خالفنا فقالوا لهم نحن أبناء خليل الرحمٰن ومنا عزيز ابن الله والأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب نحن أحق بها من محمد ولا سبيل إلى اتباعه فنزلت: قل يا أيها الذين هادوا وكانوا يقولون نحن أبناء الله وأحبائه. أي إن كان قولكم حقاً فتمنوا أن تنقلوا سريعاً إلى دار كرامته المعدة لأوليائه وتقدم تفسير بقية الآية في البقرة.﴿ إِذَا نُودِيَ ﴾ أي أذن وكان الأذان عند قعود الإِمام على المنبر وكذلك كان في زمان الرسول عليه السلام كان إذا صعد المنبر أذن على باب المسجد فإِذا نزل بعد الخطبة أقيمت الصلاة وكذا كان في زمن أبي بكر وعمر إلى زمن عثمان كثر الناس وتباعدت المنازل فزاد مؤذناً آخر على داره التي تسمى الزوراء فإِذا جلس على المنبر أذن الثاني فإِذا نزل من المنبر أقيمت الصلاة ولم يعب أحد ذلك على عثمان رضي الله عنه والظاهر وجوب السعي لقوله: ﴿ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ وانه يكون المشي خفة والظاهر أن الخطاب بالأمر بالسعي للمؤمنين عموماً وأنها فرض على الأعيان وعن بعض الشافعية أنها فرض كفاية وعن مالك رواية شاذة أنها سنة وإنما ذكر البيع من بين سائر المحرمات لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق إذ يكثر الوافدون الأمصار من القرى ويجتمعون للتجارة إذا تعالى النهار فأمروا بالبدار إلى تجارة الآخرة ونهوا عن تجارة الدنيا ووقت التحريم من الزوال إلى الفراغ من الصلاة والإِشارة بذلكم إشارة إلى السعي وترك البيع والأمر بالانتشار والابتغاء أمر إباحة وفضل الله هو ما يهيئه من حالة حسنة كعيادة مريض وصلة صديق واتباع جنازة وأخذ في بيع وشراء وتصرفات دينية ودنيوية وأمر مع ذلك بإِكثار ذكر الله تعالى:﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ﴾ الآية روي أنه كان أصحاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بعير تحمل ميرة قال مجاهد: وكان من عرفهم أن يدخل بالطبل والمعازف والصياح فدخلت بها سروراً بها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فانفضوا إلى رؤية ذلك وسماعه وتركوه عليه السلام قائماً على المنبر في اثني عشر رجلاً قال جابر: أنا أحدهم وقال أبو بكر غالب بن عطية هم العشرة المشهود لهم بالجنة فنزلت وإذا رأوا تجارة. وقال ابن عطية: قال إليها ولم يقل إليهما تهمما بالأهم إذا كانت هي سبب اللهو ولم يكن اللهو سببها وتأمل إن تقدمت التجارة على اللهو في الرؤية لأنها أهم وأخرت مع التفصيل لتقع النفس أولاً على الأبين " انتهى ". وقوله: وقال إليها ولم يقل إليهما ليس بشىء لأن العطف بأولاً يثنى فيه الضمير بل يفرد وفي قوله قائماً دلالة على مشروعية القيام في الخطبة وأول من استراح في الخطبة عثمان وأول من خطب جالساً معاوية وناسب ختمها بقوله:﴿ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾ لأنهم كانوا قد مسهم شىء من غلاء الأسعار كما تقدم في سبب النزول وما مبتدأ وخير خبره.