﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الآية هذه السورة مدنية في قول الأكثرين ومناسبتها لما قبلها أن ما قبلها مشتمل على حال المنافقين وفي آخرها خطاب المؤمنين فأتبعه بما يناسبه من قوله هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وهذا تقسيم في الإِيمان والكفر بالنظر إلى الاكتساب عند جماعة من المتأولين.﴿ وَصَوَّرَكُمْ ﴾ هذ تعديد للنعمة في حسن الخلق لأن أعضاء بني آدم متصرفة بجميع ما يتصرف به أعضاء الحيوان وبزيادات كثيرة فضل بها ثم هو مفضل بحسن الوجه وجمال الجوارح كما قال تعالى:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾[التين: ٤] ونبه تعالى بعلمه بما في السماوات والأرض ثم بعلمه بما يسر العباد وما يعلنونه ثم بعلمه بما أكنته الصدور على أنه تعالى لا يغيب عن علمه شىء لا من الكليات ولا من الجزئيات.﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ﴾ الخطاب لقريش ذكروا بما حل بالكفار قبلهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وغيرهم ممن صرح بذكرهم في سورة (براءة) وغيرها وقد سمعت قريش أخبارهم.﴿ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ أي مكروهه وما يسؤوهم منه.﴿ ذَلِكَ ﴾ أي الوبال.﴿ بِأَنَّهُ ﴾ أي بان الشأن والحديث استبعدوا أن يبعث الله تعالى من البشر رسولاً كما استبعدت قريش.﴿ فَقَالُوۤاْ ﴾ على سبيل الاستغراب.﴿ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾ وذلك أنهم يقولون نحن متساوون في البشرية فأنى يكون لهؤلاء تمييز علينا بحيث يصيرون هداة لنا وارتفع أبشر عند الحوفي وابن عطية على الابتداء والخبر يهدوننا والأحسن أن يكون مرفوعاً على الفاعلية لأن همزة الاستفهام تطلب الفعل. فالمسألة من باب الاشتغال.﴿ فَكَفَرُواْ ﴾ والعطف بالفاء يدل على تعقب كفرهم مجيء الرسل بالبينات أي لم ينظروا في تلك البينات ولا تأملوها بل عقبوا مجيئها بالكفر.﴿ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ ﴾ استفعل بمعنى الفعل الجرد وغناه تعالى أزلي فالمعنى أنه ظهر غناه عنهم إذ أهلكهم وليست استفعل هنا للطلب وتقدم تفسير الزعم والذين كفروا أهل مكة بلى إثبات لما بعد حرف النفي.﴿ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي لا يصرفه عنه صارف.﴿ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم.﴿ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا ﴾ هو القرآن وانتصب يوم بقوله لتنبؤون أو بخبير بما فيه من معنى الوعيد والجزاء أو بأذكر مضمرة.﴿ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ﴾ يجمع فيه الأولون والآخرون وذلك أن كل واحد يبعث طامعاً في الخلاص ورفع المنزلة.﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ ﴾ مستعار من تغابن القوم في التجارة وهو أن يغبن بعضهم بعضاً لأن السعداء نزلوا منازل الأشقياء وفي الحديث" ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة وذلك معنى يوم التغابن ".﴿ وَمَن يُؤْمِن ﴾ من شرطية حمل ما بعدها على اللفظ فأفرد الضمير وخالدين نصباً على الحال على معنى من لا على لفظه.﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ الظاهر إطلاق المصيبة على الرزية وما يصيب العبد من سوء في نفس ومال وولد وأن جميع الحوادث لا تصيبه إلا بإِذن الله ولما قال تعالى: ﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ ثم أمر بطاعة الله ورسوله حذر مما يلحق الرجل من زوجه وولده بسبب ما يصدر من أحدهم من العداوة فقال:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ الآية عن عطاء بن أبي رباح أن عوف بن مالك الأشجعي أراد الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع أهله وأولاده مثبطوه وشكوا إليه فراقة فرق فلم يفز ثم أنه ندم وهم بمعاقبتهم فنزلت الآية: ولا أعدى على الرجل من زوجه وولده إذا كانا عدوين وذلك في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فبإِذهاب ماله وعرضه وأما في الآخرة فبما يسعى من اكتسابه من الحرام لهما وبما يكسبانه منه بسبب جاهه.﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي بلاء ومحنة لأنهم يوقعون في الاثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منهما وفي باب العداوة جاء بمن التي تقتضي التبعيض وفي الفتنة حكم بها على الأموال والأولاد لا على بعضها وذلك لغلبة الفتنة لهما وكفى بالمال فتنة قصة ثعلبة بن حاطب أحد من نزل فيه ومنهم من عاهد الله الآية.﴿ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة والأجر العظيم الجنة.﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾ أي جهدكم.﴿ وَٱسْمَعُواْ ﴾ ما توعظون به.﴿ وَأَطِيعُواْ ﴾ فيما أمرتم به ونهيتم عنه.﴿ وَأَنْفِقُواْ ﴾ فيما وجب عليكم وخيراً منصوب بفعل محذوف تقديره وأتوا خيراً أو على إضمار يكن فيكون خبراً أو على أنه نعت لمصدر محذوف أي أنفقا خيراً أو على أنه حال أو على أنه مفعول بوأنفقوا خيراً أي ما لا أقوال الأول عن سيبويه ولما أمر بالإِنفاق أكده بقوله:﴿ إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾ ورتب عليه تضعيف القرض وغفران الذنب وفي لفظ القرض تلطف في الاستدعاء وفي لفظ المضاعفة تأكيد للبذل لوجه الله تعالى ثم اتبع جوابي الشرط بوصفي أحدهما عائد إلى المضاعفة إذ شكره تعالى مقابل للمضاعفة وحلمه مقابل للغفران قيل وهذا الحض هو في الزكاة المفروضة وقيل في المندوب إليه وتقدم الخلاف في القراءة في يوق وفي شح وفي يضاعفه.


الصفحة التالية
Icon