﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ الآية، هذه السورة مكية ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما أقسم على أن يبدل خيراً منهم وكانوا قد سخروا من سخروا من المؤمنين وكذبوا بما وعدوا به من العذاب ذكر قصة نوح وقومه معه وكانوا أشد تمرداً من المشركين فأخذهم الله تعالى أخذ استئصال حتى أنه لم يبق لهم على وجه الأرض نسل وكانوا عباد أصنام كمشركي مكة فحذر تعالى قريشاً أن يصيبهم عذاب استئصال إن لم يؤمنوا ونوح عليه السلام أول نبي أرسل ويقال له شيخ المرسلين وآدم الثاني.﴿ أَنْ أَنذِرْ ﴾ يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون تفسيرية.﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ قال ابن عباس: عذاب النار في الآخرة.﴿ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ من للتبعيض لأن الإِيمان إنما يجب ما قبله من الذنوب لا ما بعده. قال ابن عطية: من في من ذنوبكم مزيدة وهو مذهب كوفي وأقول أخفشي لا كوفي لأنهم يشترطون أن يكون بعد من نكرة ولا يبالون بما قبلها من واجب أو غيره وجواب لو محذوف تقديره لو كنتم تعلمون لبادرتم إلى طاعته وتقواه ولما لم يجيبوه وآذوه شكا إلى ربه شكوى من يعلم أن الله تعالى عالم بحاله مع قومه لما أمر بالإِنذار فلم يجد فيهم.﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي ﴾ أي جميع الأوقات من غير فتور ولا تعطيل في وقت فلم يزدادوا إلا إعراضاً ونفوراً عن الحق.﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ ﴾ أي ليتوبوا فتغفر لهم ذكر المسبب الذي هو حظهم خالصاً ليكون أقبح في إعراضهم عنه.﴿ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ ﴾ الظاهر أنه حقيقة سدوا مسامعهم حتى لا يسمعوا ما دعاهم إليه وتغطوا بثيابهم حتى لا ينظروا إليه كراهة وبغضاً من سماع النصح ورؤية الناصح ويجوز أن يكون ذلك كناية عن المبالغة في إعراضهم عما دعاهم إليه فهم بمنزلة من سدّ مسمعه ومنع بصره ثم كرره صفة دعائه بياناً وتوكيد لما ذكر دعاءه عموم الأوقات ذكر عموم حالات الدعاء وكلما دعوتهم يدل على تكرر الدعوات فلم يبين حالة دعائه أولاً ظاهره أن يكون دعاؤه إسراراً لأنه يكون ألطف بهم ولعلهم يقبلون منه كحال من ينصح في السر فإِنه جدير أن يقبل منه فلما لم يجد له الإِسرار انتقل إلى أشد منه وهو دعاؤهم جهاراً صلتاً بالدعاء إلى الله تعالى لا يحاشى أحداً فلما لم يجد عاد إلى الإِعلان والإِسرار ومدراراً من الدر وهو صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث ونصبها على الحال ومعناه كثيرة الدر.﴿ لاَ تَرْجُونَ ﴾ لا تخافون والوقار بمعنى العظمة والسلطان والكلام على هذا وعيد وتخويف.﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ﴾ جملة حالية تحمل على الإِيمان بالله تعالى وإفراده بالعبادة إذ في هذه الجملة الحالية التنبيه على تدريج الإِنسان في أطوار لا يمكن أن تكون إلا من خلقه تعالى. قال ابن عباس: من نطفة والعلقة والمضغة.﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً ﴾ الآية، لما نبههم نوح عليه السلام على الفكر في أنفسهم وكيف انتقلوا من حال إلى حال وكانت الأنفس أقرب ما يفكرون فيه منهم أرشدهم إلى الفكر في العالم علوه وسفله وما أودع تعالى في العالم العلوي من هذين النيرين اللذين بهما قوام الوجود والضمير في فيهن عائد على السماوات والانبات استعارة في الانشاء أنشأ آدم من الأرض وصارت ذريته منه فصح نسبتهم كلهم إلى أنهم أنبتوا منها وانتصاب نباتاً بأنبتكم مصدراً على حذف الزائد أي إنباتاً أو على إضمار فعل أي فنبتم نباتاً.﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ ﴾ أي يصيركم فيها مقبورين.﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾ أي يوم القيامة وأكده بالمصدر أي ذلك واقع لا محالة.﴿ بِسَاطاً ﴾ تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه.﴿ سُبُلاً ﴾ طرقاً.﴿ فِجَاجاً ﴾ متسعة ولما أصروا على العصيان وعاملوه بأقبح الأقوال والأفعال.﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي ﴾ الضمير للجميع وكان قد قال لهم وأطيعون وكان عليه السلام أقام فيهم ما نص الله تعالى عليه ألف سنة إلا خمسين عاماً وكانوا قد وسع عليهم في الرزق بحيث كانوا يزرعون في الشهر مرتين.﴿ وَٱتَّبَعُواْ ﴾ رؤساءهم وكبراءهم وهم الذين كانوا سبب خسارهم في الدنيا والآخرة.﴿ وَمَكَرُواْ ﴾ يظهر أنه معطوف على صلة من وجمع الضمير في مكروا.﴿ وَقَالُواْ ﴾ على المعنى ومكرهم هو احتيالهم في الدين وتحريش الناس على نوح عليه السلام وكباراً مبالغة في الكبر كطوال وجمال وقالوا أي كبراؤهم لأتباعهم.﴿ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ﴾ أي أصنامكم وهو عام في جميع أصنامهم ثم خصوا بعد أكابر أصنامهم وهو ودوماً عطف عليه روي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الزمان ماتوا فصورت أشكالهم لتذكر أفعالهم الصالحة ثم هلك من صورهم وخلق من يعظمها ثم كذلك حتى عبدت قيل ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها وقيل بل الأسماء فقط إلى قبائل من العرب فكان ودّ لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل ويغوث لمراد ويعوق لهمدان ونسر لحمير ولذلك سمت العرب بهذه الأسماء قال أبو عثمان: النهدي رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل أجره لا يهيجونه ويسيرون معه حتى يكون هو الذي يبرك فإِذا برك نزلوا وقالوا قد رضي لكم المنزل فينزلون حوله ويضربون عليه بناء " انتهى ". ولما أخبر أنهم قد أضلوا كثيراً دعا عليهم بالضلال فقال: ولا تزد وهي معطوفة على وقد أضلوا إذ تقديره وقال قد أضلوا كثيراً فهي لقال المضمرة المحكي قوله وقد أضلوا ولا يشترط التناسب في عطف الجمل بل قد تعطف جملة الإِنشاء على جملة الخبر والعكس خلافاً لمن يدعي التناسب وقرىء خطيئاتهم جمعاً.﴿ أُغْرِقُواْ ﴾ قال الضحاك: كانوا يغرقون من جانب ويحرقون بالنار من جانب.﴿ فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ ﴾ تعريض بانتفاء قدرة آلهتهم على نصرهم ودعاء نوح عليه السلام عليهم بعد أن أوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ودياراً من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي وما أشبهه ولما دعا على الكفار استغفر للمؤمنين فبدأ بنفسه ثم بمن وجب بره عليه ثم للمؤمنين فكان هو ووالداه اندرجوا في المؤمنين والمؤمنات وقال ابن عباس لم يكفر لنوح عليه السلام أب ما بينه وبين آدم عليه السلام.﴿ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً ﴾ قال ابن عباس: مسجدي وقيل شريعتي استعار لها بيتاً كما قالوا قبة الإِسلام.﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ دعاء لكل مؤمن ومؤمنة في كل أمة والتبار الهلاك.