﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ ﴾ هذه السورة مكية ومناسبتها لما قبلها أن فيما قبلها ذرني والمكذبين وفيه أن هذه تذكرة فناسب يا أيها المدثر فأنذر وناسب ذكر يوم القيامة بعد ذكر بعض المكذبين في قوله: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ﴾ قم فأنذر. المعنى: ثم قيام تصميم وجد فأنذر أي حذر عذاب الله تعالى ووقائعه والإِنذار عام لجميع الناس وبعثه إلى الخلق.﴿ فَكَبِّرْ ﴾ أي فعظم كبرياءه.﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ الظاهر أنه أمر بتطهير الثياب من النجاسات لأن طهارة الثياب شرط في صحة الصلاة.﴿ وَٱلرُّجْزَ ﴾ العذاب.﴿ فَٱهْجُرْ ﴾ أي أهجر ما يؤدي إليه وقرىء بضم الراء.﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ قال ابن عباس لا تعط عطاء لتعطي أكثر منه من قولهم منّ إذا أعطى وقال الحسن لا تمنن على الله بجدك تستكثر أعمالك ويقع لك بها إعجاب والجملة حالية أي مستكثراً.﴿ وَلِرَبِّكَ ﴾ أي لوجه ربك.﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ أمر بالصبر فيتناول الصبر على تكاليف النبوة وعلى أداء طاعات لله تعالى وعلى أذى الكفار. قال الزمخشري: والفاء في قوله:﴿ فَإِذَا نُقِرَ ﴾ للتسبب كأنه قيل فاصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه والنقر الصوت والناقور فاعول منه كالجاسوس مأخوذ من التجسس.﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ﴾ لا خلاف أنها نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي فروي أنه كان يلقب بالوحيد أي لا نظير له في ماله وشرفه في بيته والظاهر إنتصاب وحيداً على الحال من الضمير المحذوف العائد على من أي خلقته منفرداً ذليلاً قليلاً لا مال له ولا ولد فآتاه الله المال والولد فكفر نعمته وأشرك به واستهزأ نعمته.﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً ﴾ قال ابن عباس: كان له بين مكة والطائف إبل وحجور ونعم وجنان وعبيد وجوار.﴿ وَبَنِينَ شُهُوداً ﴾ أي حظوراً معه بمكة لا يظعنون عنه لغناهم فهو مستأنس بهم منهم خالد وهشام وعمارة وقد أسلموا والوليد والعاصي وقيس وعبد شمس.﴿ وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً ﴾ أي وطأت له وهيأت وبسطت له بسطاً حتى أقام ببلده مطمئناً يرجع إلى رأيه وقال ابن عباس وسعت له ما بين اليمن إلى الشام.﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴾ أي على ما أعطيته من المال والوليد.﴿ كَلاَّ ﴾ قطع لرجائه وردع أي ليس يكون كذلك مع كفره بالنعم.﴿ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً ﴾ تعليل للردع على وجه الاستئناف كان قائلاً قال: لم لا يزاد فقال: إنه عاند آيات المنعم وكفر بذلك نعمته والكافر لا يستحق المزيد.﴿ سَأُرْهِقُهُ ﴾ أي سأكلفه وأغشيه بمشقة وعسر.﴿ صَعُوداً ﴾ عقبة في جهنم كلما وضع عليها شىء من الإِنسان ذاب ثم يعود والصعود في اللغة العقبة الشاقة.﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ روي أن الوليد حاج أبا جهل وجماعة من قريش في أمر القرآن وقال ان له لحلاوة وان أسفله لمغدق وان فرعه لجناة وانه ليحطم ما تحته وانه ليعلو وما يعلى فخالفوه وقالوا هو شعر فقال: والله ما هو بشعر قد عرفنا الشعر هزجه ورجزه وطويله وبسيطه قالوا فهو كاهن قال: والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان قالوا: هو مجنون قال: والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وخنقه قالوا: هو سحر قال: أما هذا فيشبه أنه سحر.﴿ فَكَّرَ ﴾ أي في القرآن وبمن أتى به.﴿ وَقَدَّرَ ﴾ أي في نفسه ما يقول فيه.﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾ قيل قتل لعن وقيل غلب وقهر وذل.﴿ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾ أي قطب وكلح لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول وناسب العطف بالواو وكان العطف في:﴿ فَقَالَ ﴾ بالفاء دلالة على التعقيب لأنه لما خطر بباله هذا القول بعد تطلبه لم يتمالك أن نطق به من غير تمهل ومعنى يؤثر أي يروي وينقل ومعنى إلا سحر أي يشبه السحر.﴿ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ ﴾ تأكيد لما قبله أي ملتقط من أقوال الناس.﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ قال الزمخشري بدل من سأرهقه صعوداً " انتهى " ويظهر أنهما جملتان اعتقبت كل واحدة منهما على سبيل التوعد للعصيان الذي قبل كل واحد منهما متوعدة على كونه عنيداً لآيات الله بإِرهاق صعود على قوله بأن القرآن سحر يؤثر بإِصلائه سقر.﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴾ تعظيم لهولها وشدتها.﴿ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ ﴾ أي لا تبقي على من ألقي فيها ولا تذر غاية من العذاب إلا أوصلته إليه.﴿ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ﴾ قال ابن عباس: معناه مغيرة للبشرات محرقة للجلود مسوّدة لها والبشر جمع بشرة تقول العرب لاحت النار الشىء إذا أحرقته وسودته.﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ التميز محذوف والمتبادر إلى الذهن أنه ملك ألا ترى العرب وهم الفصحاء كيف فهموا منه أن المراد ملك حين سمعوا ذلك فقال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً ﴾ أي وما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون وأنزل الله تعالى في أبي جهل:﴿ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ﴾[القيامة: ٣٤].
﴿ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً ﴾ أي سبب فتنة ففتنة مفعول ثان لجعلنا أي جعلنا تلك العدة وهي تسعة عشر سبباً لفتنة الكفار فليست فتنة مفعولاً من أجله وفتنتهم هو كونهم أظهروا مقاومتهم والطماعية في مغالبتهم وذلك على سبيل الاستهزاء فإِنهم مكذبون بالبعث وبالنار وبخزنتها.﴿ لِيَسْتَيْقِنَ ﴾ هذا مفعول من أجله وهو متعلق بجعلنا لا بفتنة. و ﴿ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ هم اليهود والنصارى إذ هم عالمون أن القرآن هو من عند الله إذ هم يجدون ذلك في كتبهم المنزلة ويعلمون أن الرسول عليه السلام لم يقرأها ولا قرأها عليه أحد.﴿ وَلاَ يَرْتَابَ ﴾ توكيد لقوله ليستيقن إذ ثبات اليقين ونفي الارتياب أبلغ وآكد في الوصف لسكون النفس السكون التام.﴿ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ ﴾ لما سمعوا هذا العدد لم يهتدوا وحاروا فاستفهم بعضهم بعضاً عن ذلك استبعاداً أن يكون هذا من عند الله وسموه مثلاً استعارة من المثل المضروب استغراباً منهم لهذا العدد والمعنى أي شىء أراد الله بهذا العدد العجيب ومرادهم إنكر أصله وأنه ليس من عند الله.﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ الكاف في محل نصب وذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الإِضلال والهدي أي مثل ذلك المذكور من الإِضلال والهدي يضل الكافرين فيشكون فيزيدهم كفراً وضلالاً ويهدي المؤمنين فيزيدهم إيماناً.﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾ إعلام بأن الأمر فوق ما يتوهم وأن الخبر إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلها والسماء عامرة بأنواع من الملائكة وفي الحديث" أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته لله تعالى ساجد ".﴿ وَمَا هِيَ ﴾ أي النار.﴿ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ ﴾ أي الذين أهلوا للتذكر والاعتبار.


الصفحة التالية
Icon