﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً ﴾ الآية هذه السورة مكية ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر فيما قبلها الإِنذار بالعذاب يوم القيامة أقسم في هذه على البعث يوم القيامة ولما كانت الموصوفات المقسم بها محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها وكان لهذه الصفات متعلقات مختلفة اختلفوا في المراد بها فقال علي وابن عباس: والنازعات الملائكة تنزع نفوس بني آدم وغرقاً إغراقا وهي المبالغة في الفعل أو غرقاً في جهنم يعني نفوس الكفار.﴿ وَٱلنَّاشِطَاتِ ﴾ قال ابن عباس ومجاهد الملائكة تنشط النفوس عند الموت أي تحلها وتنشيط بأمر الله إلى حيث كان وقيل غير ذلك.﴿ وَٱلسَّابِحَاتِ ﴾ قال علي ومجاهد: الملائكة تتصرف في الآفاق بأمر الله تعالى تجيء وتذهب.﴿ فَٱلسَّابِقَاتِ ﴾ قال ابن مسعود: أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها وقد عاينت السرور شوقاً إلى لقاء الله تعالى.﴿ فَٱلْمُدَبِّرَاتِ ﴾ قال معاذ هي الكواكب السبعة وأضاف التدبير إليها مجازاً أي يظهر تقلب الأحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك والذي يظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء وان المعطوف بالواو هو مغاير لما قبله كما قررناه في والمرسلات والمختار في جواب القسم أن يكون محذوفاً وتقديره ليتحدثن لدلالة ما بعده عليه، والواجفة والرادفة قال ابن عباس: وغيره هما الصيحتان أي النفختان الأولى تميت كل شيء والثانية تحيي كل شىء واجفة مضطربة ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإِشفاق.﴿ أَبْصَارُهَا ﴾ أي أبصار أصحاب القلوب.﴿ خَاشِعَةٌ ﴾ أي ذليلة يقولون حكاية حالهم في الدنيا والمعنى هم الذين يقولون والحافرة قال مجاهد: فاعلة بمعنى مفعولة وقيل على النسب أي ذات حفر والمراد القبور أي لمردودون أحياء في قبورنا وقرىء ناخرة ونخرة نحو طمع وطامع والناخرة المصوتة بالريح المجوفة والنخرة بمعناها.﴿ قَالُواْ تِلْكَ ﴾ أي الردة إلى الحافرة.﴿ إِذاً ﴾ أي إن رددنا.﴿ كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ أي قالوا ذلك لتكذيبهم بالبعث أي لو كان هذا حقاً لكانت ردتنا خاسرة إذ هي إلى النار.﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ لما تقدّم يقولون أئنا لمردودون تضمن قولهم استبعاد النشأة الثانية واستصعاب أمرها فجاء قوله: ﴿ فَإِنَّمَا ﴾ مراعاة لما دل عليه استبعادهم فكأنه قيل ليس بصعب ما تقولون فإِنما هي نفخة واحدة فإِذا هم منشورون أحياء على وجه الأرض. والساهرة قال ابن عباس أرض من فضة يخلقها الله تعالى:﴿ هَلْ أَتَاكَ ﴾ توقيف للرسول عليه السلام على جمع النفس لما يلقيه إليه وتقدّم إنكارهم البعث وتمردهم على الرسول عليه السلام فقص عليه تعالى قصة موسى وتمرد فرعون على الله تعالى حتى ادّعى الإِلٰهية.﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴾ تلطف في الاستدعاء لأن كل عاقل يجيب مثل هذا السؤال بنعم وتزكى تحلى بالفضائل وتطهر من الرذائل والزكاة هنا يندرج فيها الإِسلام وتوحيد الله تعالى وقرىء: تزكى بالتشديد والتخفيف وتقول العرب هل لك في كذا وهل لك إلى كذا يحذفون المبتدأ الذي يتعلق به إلى أي هل لك رغبة أو حاجة إلى كذا أو سبيل إلى كذا.﴿ فَحَشَرَ ﴾ أي جمع السحرة وأرباب دولته.﴿ فَنَادَىٰ ﴾ أي قام فيهم خطيباً.﴿ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ قال ابن عطية نهاية في المنحرفة ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم " انتهى ". إنما قال ذلك ابن عطية لأن ملك مصر في زمانه كان إسماعيلياً وهو مذهب يعتقدون فيه إلٰهية ملوكهم وكان أول من ملكها منهم المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله تعالى ولاهم العاضد وطهر الله مصر من هذا المذهب الملعون بظهور الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي رحمه الله وجزاه عن الإِسلام خيراً وانتصب نكال على المصدر بمعنى التنكيل والناصب له قوله: فأخذه والآخرة والأولى وقال ابن عباس: الآخرة قولته ما علمت لكم من إلٰه غيري والأولى قولته أنا ربكم الأعلى. وكان بين قولتيه أربعون سنة.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي فيما جرى لفرعون وأخذه تلك الأخذة.﴿ لَعِبْرَةً ﴾ لعظة.﴿ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ الخطاب ظاهره أنه عام والمقصود الكفار منكر والبعث وقفهم على قدرته تعالى أشد خلقاً أي أصعب إنشاء أم السماء والمسؤول عن هذا يجيب ولا بد بقوله السماء لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثرها بين تعالى كيفية خلقها.﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا ﴾ أي جعل مقدار ذهابها في العلو مديراً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام والسمك الارتفاع الذي بين سطح السماء الذي يلينا وسطحها الذي يلي ما فوقها.﴿ فَسَوَّاهَا ﴾ أي جعلها ملساء مستوية ليس فيها مرتفع ولا منخفض أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث أنها محكمة الصنعة.﴿ وَأَغْطَشَ ﴾ أي أظلم.﴿ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ﴾ أي أبرز ضوءها وشمسها والضحى هو نور سراجها.﴿ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ أي بعد خلق السماء وما فعل فيها.﴿ دَحَاهَا ﴾ أي بسطها فخلق الأرض ثم السماء ثم دحا الأرض.﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا ﴾ أي من الأرض وأضيق الماء والمرعى إلى الأرض لأنهما يظهران منها أخرج منها لم يدخل صرف العطف عليه لأن معنى دحيها بسطها ومهدها للسكنى ثم فسر التمهيد بما لا بدّ منه في تأتي سكناها من تسوية أكل وشرب وأمرهما وإمكان القرار عليها وقرىء متاعاً بالنصب أي فعل ذلك تمتيعاً لكم وبالرفع أي ذلك متاع.﴿ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ﴾ قال ابن عباس: القيامة وقوله المأوى مذهب البصريين أن الضمير العائد على من محذوف تقديره المأوى له ومذهب الكوفيين أن الألف واللام نابت عن الضمير كأنه قال مأواه.﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ أي مقاماً بين يدي ربه يوم القيامة للجزاء وفي إضافة المقام إلى الرب تفخيم للمقام وتهويل عظيم واقع من النفوس موقعاً عظيماً.﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ أي قريش وكانوا يلحون في البحث عن وقت الساعة إذ كان يتوعدهم بها ويكثر ذلك فنزلت هذه الآية.﴿ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا ﴾ متى إقامتها أي متى يقيمها الله ويثبتها ويكونها.﴿ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا ﴾ هي ما الاستفهامية وحذفت الفها لدخول حرف الجر عليها كقوله عم وبم لمرجع كأنه قال في أي شىء أنت من تذكرها.﴿ إِلَىٰ رَبِّكَ ﴾ أي إلى علم ربك.﴿ مُنتَهَٰهَآ ﴾ أي انتهاؤها.﴿ مَن يَخْشَٰهَا ﴾ أي يخشى الساعة.﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ أي كان السؤال عنها.﴿ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ ﴾ لم يقيموا في الحياة الدنيا.﴿ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا ﴾ أعاد الأخير في قوله: ﴿ أَوْ ضُحَٰهَا ﴾ على العشية لأنهما ظرفان للنهار والاضافة تكون بأدنى ملابسة.