﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ هذه السورة مكية ولما ذكر فيما قبلها فلينظر الإِنسان مم خلق كان قائلاً قال من خلقه على هذا المثال فقال: ﴿ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ﴾.
وأيضاً لما قال: ﴿ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ إنه لقول فصل قيل سنقرئك أي ذلك القول الفصل وسبح نزه عن النقائص اسم ربك الظاهر أن التنزيه يقع على الإِسم أي نزهه عن أن يسمى به صنم أو وثن فيقال له: رب أو إلٰه وإذا كان قد أمر بتنزيه اللفظ ان يطلق على غيره فهو أبلغ وتنزيه الذات أحرى وقيل الإِسم هنا بمعنى المسمى قيل" لما نزل سبح إسم ربك الأعلى قال صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم "وكانوا يقولون في الركوع اللهم لك ركعت وفي السجود اللهم لك سجدت والأظهران الأعلى صفة لربك.﴿ ٱلَّذِي ﴾ صفة أيضاً.﴿ خَلَقَ ﴾ أي كل شىء.﴿ فَسَوَّىٰ ﴾ أي لم يأت متفاوتاً بل متناسباً على إحكام وإتقان دلالة على أنه صادر عن عالم حكيم وهذا عام لجميع الهدايات والمرعى النبات الذي يرعى والغثاء ما يقذف به السيل على جانب الوادي من الحشيش والنبات وغير ذلك، والأحوى السواد المائل إلى الخضرة ولما تغايرت الصفات وتباينت أتى لكل صلة بموصول وعطف على كل صلة ما يترتب عليها فجاء الموصول الأول الذي خلق فسوى والثاني: الذي قدر فهدى والثالث: الذي أخرج المرعى فجعله غثاء فأحوى حال من المدعي وآخر لكونه فاصلة.﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ ﴾ هذا في معنى لا تحرك به لسانك وعده الله أن يقرئه وأخبره أنه لا ينسى نسياناً لا يكون بعده ذكر إن كان يحرك شفتيه مبادرة خوفاً من أن ينسى وهذه آية للرسول صلى الله عليه وسلم في أنه أمي وحفظ الله عليه الوحي وأمنه من نسيانه.﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ الظاهر أنه استثناء مقصود معناه مما قضى الله تعالى بنسخه وأن ترتفع تلاوته وحكمه. و ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ ﴾ أي جهرك بالقرآن.﴿ وَمَا يَخْفَىٰ ﴾ أي في نفسك من خوف التفلت وقد كفاك ذلك بكونه تكفل بإِقرائك إياه وإخباره أنك لا تنسى إلا ما استثناه وتضمن ذلك إحاطة علمه تعالى باشياء.﴿ وَنُيَسِّرُكَ ﴾ معطوف على سنقرئك وما بينهما من الجملة المؤكدة اعتراض أي نوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل يعني في حفظ الوحي ولما أخبر أنه يقرئه وييسر أمره بالتذكير إذ ثمرة الاقراء هي انتفاعه في ذاته وانتفاع من أرسل إليهم والظاهر أن الأمر بالتذكير مشروط بنفع الذكرى وهذا الشرط إنما جيء به توبيخاً لقريش أي إن نفعت الذكرى في هؤلاء الطغاة العتاة ومعناه استبعاد انتفاعهم بالذكرى.﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ﴾ أي يتذكر بذاكر من يخاف فإِن الخوف حامل على النظر في الذي ينجيه مما يخافه.﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا ﴾ أي الذكرى.﴿ ٱلأَشْقَى ﴾ أي البالغ في الشقاوة لأن الكافر بالرسول عليه السلام هو أشقى الكفار كما أن المؤمن به وبما جاء به هو أفضل ممن آمن برسول قبله ثم وصف بما يؤول إليه حاله في الآخرة وهو صلى النار ووصفها بالكبرى وهي نار الآخرة والصغرى نار الدنيا.﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا ﴾ فيستريح.﴿ وَلاَ يَحْيَا ﴾ حياة هنيئة وجيء بثم المقتضية للتراخي إيذاناً بتفاوت مراتب الشدّة لأن التردد بين الحياة والموت أشد وأفظع من الصلي.﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ أي فاز وظفر بالبغية.﴿ مَن تَزَكَّىٰ ﴾ من تطهر من الشرك وقال لا إله إلا الله قاله ابن عباس.﴿ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ ﴾ أي وحده لم يقرنه بشىء من الأنداد.﴿ فَصَلَّىٰ ﴾ أي الصلاة المفروضة وما أمكنه من النوافل والمعنى أنه لما تذكر من آمن بالله ثم أخبر تعالى عنه أنه أفلح أي من أتى بهاتين العبادتين الصلاة والزكاة وقرىء: يؤثرون بياء الغيبة وبالتاء خطاباً للكفار.﴿ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ لفي الصحف الأولى لم ينسخ إفلاح من تزكى والآخرة خير وأبقى في شرع من الشرائع فهو في الأولى وفي آخر الشرائع وتقدم الكلام على صحف إبراهيم وموسى في سورة النجم.


الصفحة التالية
Icon