﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ﴾ الآية هذه السورة مكية في قول الجمهور ولما ذكر تعالى ابتلاء الإِنسان بحالة التنعيم وحالة التقدير وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر وما آل إليه حاله وحال المؤمن اتبعه بنوع من ابتلائه ومن حاله السيىء وما آل إليه في الآخرة والإِشارة بهذا البلد إلى مكة.﴿ وَأَنتَ حِلٌّ ﴾ جمل حالية تفيد تعظيم المقسم به أي وأنت مقيم به وهذا هو الظاهر.﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾ لا يراد به معين بل ينطلق على كل ولد وولد وقيل على آدم وجميع ولده.﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا ﴾ هذه الجملة المقسم عليها والجمهور على أن الإِنسان إسم جنس وفي كبد يكابد مشاق الدنيا والآخرة ومشاقه لا تكاد تنحصر من أول قطع سرته إلى ان يستقر في قراره أما إلى جنة فنزول عنه المشقات جميعها وإما إلى نار فتتضاعف مشقاته وشدائده والظاهر أن الضمير في أيحسب عائد على الإِنسان أي هو لشدة شكيمته وعزته وقوته يحسب أنه لا يقاومه أحد ولا يقدر عليه لاستعصامه بعدده وعدده.﴿ يَقُولُ ﴾ على سبيل الفخر.﴿ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً ﴾ أي كثيراً في المكارم وما يحصل به الثناء.﴿ أَيَحْسَبُ ﴾ أن أعماله تخفى وأنه لا يراه أحد ولا يطلع عليه في إنفاقه ومقصده مما يبتغيه مما ليس لوجه الله تعالى منه شىء بل عليه حفظة يكتبون ما يصدر عنه من قول وعمل في حياته ويحصونه إلى يوم الجزاء ثم عدد تعالى نعمه على الإِنسان فقال:﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾ أي يبصر بهما.﴿ وَلِسَاناً ﴾ يفصح عما في باطنه ولم يتعرض للسمع لأنه يلزم من الكلام السمع.﴿ وَشَفَتَيْنِ ﴾ يطبقهما على فيه ويستعين بهما على الأكل والشرب والنفخ وغير ذلك.﴿ وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ ﴾ قال ابن عباس: الخير والشر وقيل الثديان.﴿ فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ ﴾ أي لم يشكر تلك النعم السابغة ولا نافية والمعنى لم يقتحم والعقبة استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل وهو ما صعب منه وكان صعوداً فإِنه يلحقه مشقة في سلوكها واقتحمها دخلها بسرعة وضغط وشدة والقحمة الشدة والسنة الشديدة يقال قحم في الأمر قحوماً رمى نفسه فيه من غير رؤية وقرىء فك فعلاً ماضياً رقبة نصباً أو أطعم فعلاً ماضياً وقرىء فك مرفوعاً خبر مبتدأ محذوف أي هي فك رقبة ورقبة مجرور بالإِضافة أو إطعام مصدر منون معطوف على فك وفيه دليل على اعمال المصدر منوناً إذ نصب به يتيماً ونظيره قول الشاعر: يضرب بالسيوف رؤوس قوم   أزلناها مهن عن المقيلووصف يوم بذي مسغبة على الإِتساع والمسغبة المجاعة.﴿ ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ لتجمع صدقة وصلة.﴿ أَوْ مِسْكِيناً ﴾ أو للتنويع.﴿ ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ هم المطروحون على ظهر الطريق قعوداً على التراث لا بيوت لهم.﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ هذا معطوف على قوله: ﴿ فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ ﴾ ودخلت ثم لتراخي الإِيمان في الرتبة والفضيلة لا للتراخي في الزمان لأنه لا بد أن يسبق تلك الأعمال الحسنة الإِيمان إذ هو شرط في صحة وقوعها من الطائع.﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ ﴾ أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على الإِيمان والطاعات وعن المعاصي.﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ ﴾ أي بالتعاطف والتراحم أو بما يؤدي إلى رحمة الله تعالى. والميمنة والمشأمة تقدّم الكلام عليهما في الواقعة.﴿ مُّؤْصَدَةٌ ﴾ قرىء بالهمز وبالواو ويقال أوصدت الباب وأصدته إذا أغلقته وأطبقته قال الشاعر: تحن إلى أجبال مكة ناقتي   ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة


الصفحة التالية
Icon