﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ ﴾ تمنوا الرجوع إلى الدنيا حتى يطيعوا الله ويتبرؤا منهم في الآخرة إذا حشروا جميعاً مثل: ما تبرأ المتبوعين منهم أولاً ولو هي التي لما كان سيقع لوقوع غيره. اشربت معنى التمني. وجاء النصب بعد الفاء بإِضمار إن فقيل إذا استعملت للتمني فجوابها هو الفعل المقرون بالفاء المنصوب وقد جاء في كلامهم التصريح بجواب لو المشربة معنى التمني مصرحاً به بعد الفعل المنصوب بعد الفاء ويظهر لي ان فنتبرأ المقدر نصبه بأن مضمرة هو معطوف على كرة أي لو أن لنا كرة.﴿ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ﴾ لخلصنا وسلمنا من عذاب الله.﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي مثل اراءتهم تلك الأحوال.﴿ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ السيئة.﴿ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ ﴾ فيه دلالة على دخولهم النار وهذا في الكفار. وليس فيه دلالة على أن من دخل النار من عصاة المؤمنين لا يخرج منها، لأن الضمير في هم عائد على الكفار. وانتصب ﴿ حَلاَلاً ﴾ على أنه حال من الضمير المستقر في الصلة ووصف بالطيب. وقال ابن عطية: ويصح ان يكون طيباً حالاً من الضمير في كلوا تقديره مستطيبين وهذا فاسد في اللفظ والمعنى اما اللفظ فلان طيباً اسم فاعل وليس بمطابق للضمير لأن الضمير جمع وطيب مفرد وليس طيب بمصدر. فيقال: لا تلزم المطابقة. وأما المعنى فلان طيباً مغاير لمعنى مستطيبين لأن الطيب من صفات المأكول، والمستطيب من صفات الآكل. تقول: طاب لزيد الطعام. ولا تقول: طاب زيد الطعام في معنى استطابه. والأصل في الطيب المستلذ ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه، لأن النجس تكرهه النفس فالحرام لا يستلذ به لأن الشرع منع منه والثابت في اللغة ان الطيب هو الطاهر من الدنس.﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ كناية عن ترك الاقتداء به فيما سَنَّ من المعاصي. وقرىء خطوات - سكون الطاء وبفتحها - والخطوة: المكان الذي يخطو فيه. وبفتح الخاء والطاء. والخطوة: المرة الواحدة من الخطو. وقرىء خطوات بضم الخاء والطاء والهمزة وهو جمع خطأة من الخطا ان كان سمع والا فتقدير.﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ تعليل لسبب هذا التحذير.﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ ﴾ بوسوسته وإغوائه وما يلقيه على ألسنة الكهنة.﴿ بِٱلسُّوۤءِ ﴾ بما يسؤوكم في العقبي.﴿ وَٱلْفَحْشَآءِ ﴾ بما يفحش قوله وفعله ومنعت منه الشريعة.﴿ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ من تحريم ما لم يحرم وذلك نحو السائبة والبحيرة. وقولهم: هذا حلال وهذا حرام من غير استناد إلى علم. قيل: وظاهر هذا تحريم القول في دين الله بما لا يعلمه القائل. والضمير في لهم عائد على من اتصف بقوله:﴿ بَلْ نَتَّبِعُ ﴾ من كفار العرب ومتخذي الأنداد واليهود. وبل نتبع عطف على جملة محذوفة تقديرها لا نتبع ما تدعونا إليه بل نتبع.﴿ مَآ أَلْفَيْنَا ﴾ أي ما وجدنا.﴿ عَلَيْهِ آبَآءَنَآ ﴾ أي مما يخالف ما تطلبون منا. وفيه دليل على إبطال التقليد، والذي وجدوا عليه آباءهم هو مخالف لما أنزل الله فاقتدوا في ذلك بآبائهم رؤوس الضلال.﴿ أَوَلَوْ ﴾ الهمزة فيه للإِنكار عليهم والتوبيخ والتعجب. ولو في مثل هذا التركيب تجيء تنبيهاً على أن ما بعدها غير شامل لما قبلها نحو: اعطوا السائل ولو جاء على فرس. والمعنى على كل حال ولو في هذه الحالة التي لا يناسب من جاء على فرس أن يعطي إذا سأل. وتجيء لاستقصاء الأحوال التي يقع عليها الفعل، ويدل على أن المراد بذلك وجود الفعل في كل حال حتى في هذه الحال التي لا تناسب الفعل، فالمعنى: إنكار اتباع آبائهم في كل حال حتى في الحالة التي لا يناسب أن يتبعوا فيها وهي تلبسهم بعدم العقل وعدم الهداية، ولما أعرضوا عن اتباع ما أنزل الله واتبعوا ما نشؤا عليه من تقليد آبائهم ذكر هذا التشبيه العجيب إذ صار في رتبة البهيمة أو في رتبة داعيها وقدر، ومثل داعي الذين كفروا لآلهتهم التي لا تفقه دعاءه، كمثل الناعق بغنمة لا ينتفع في نعيقه بشيء غير أنه في عناء ونداء، كذلك الكافر في دعائه الآلهة وعبادته الأوثان ليس له إلا العناء وقدر أيضاً.


الصفحة التالية
Icon