﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ ﴾ هذه الجملة الكلام عليها أهي معطوفة على صلة من أو على يكذبون أو مستأنفة وما العامل في إذا وما المقام مقام الفاعل كالجملة الشرطية السابقة، ولما نهوا عن الافساد أمروا بالإِيمان وبحصوله يزول إفسادهم وبدأ بالمنهي عنه لأنه الأهم وهو ترك والترك أسهل من امتثال المأمور فكان في ذلك تدريج لهم وأكثر المعربين يجعل الكاف في " كما آمن " ونظيره نعتاً لمصدر محذوف أي إيماناً مثل إيمان النّاس. ومذهب سيبويه: إن الكاف في موضع الحال وذو الحال ضمير مصدر محذوف دل عليه الفعل، وما مصدرية ينسبك منها ومن صلتها مصدر هو في موضع جر بالكاف. وأجاز الزمخشري وأبو البقاء، أن تكون ما كافة للكاف عن العمل كهي في: ربما قام زيد، والظاهر أن أل في الناس للعهد وهم المؤمنون الذين سبقوا بالإِيمان فأحيلوا عليهم. والسفه: خفة الحلم والجهل، ويقال سفه - بكسر الفاء وضمها - وهو القياس لمجيىء سفيه وجمعه على فعلى قياس مطرد في فعيل الصحيح الوصف لمذكر عاقل." أتؤمن " استفهام انكار واستهزاء، ولما كان المأمور به مشبهاً أتوا بإِنكارهم مشبهاً وأل في السفهاء للعهد ويعنون بهم المؤمنين الخلّص في الإِيمان اعتقدوا أنهم سفهاء.﴿ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ ﴾ وهذا كما رد عليهم في قوله﴿ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ ﴾[البقرة: ١٢] إن الله تعالى هو العالم بأنهم السفهاء.﴿ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ إنهم سفهاء لغباوتهم وجاء هناك لا يشعرون لأن الافساد يدرك بأدنى تأمل لأنه من المحسوسات التي لا تحتاج إلى فكر كثير، فنفي عنهم ما يدرك بالمشاعر وهي مبالغة في تجهيلهم إذ الشعور الثابت للبهائم منفي عنهم والأمر بالإِيمان يحتاج إلى إمعان كر واستدلال ونظر قام يفضي إلى الإِيمان والتصديق، ولم يقع منهم المأمور فناسب ذلك نفي العلم عنهم، ولأن السفه هو خفة العقل والجهل بالأمور والعلم نقيض الجهل فقابله بقوله: لا يعلمون، ويجوز في نحو السفهاء إلا تحقيق الثانية مع تحقيق الأولى وجعلها بين الهمزة والواو وأبوابها واواً مع تحقيق الأولى أو جعلها بين الهمزة والواو وأجاز بعضهم جعل كل منهما بين الهمزة والواو.﴿ وَإِذَا لَقُواْ ﴾ قرىء لاقوا وهي فاعل بمعنى الفعل المجرد وآمنا فعل مطلق غير مؤكد بشيء تورية منهم وإيهاماً سموا النطق باللسان إيماناً وقلوبهم معرضة. وخلا يتعدى بالباء وبالى والى على معناها من انتهاء الغاية وليست هنا بمعنى مع خلافاً للنضر بن شميل. و ﴿ شَيَاطِينِهِمْ ﴾ اليهود ورؤساءهم. وشيطان عند البصريين فيعال من شطن وقالوا: في معناه شاطن، وفي التصغير مشيطن. وعند الكوفيين فعلان من نشاط ويشهد لهم قولهم شيطان مسمى به ممنوع من الصرف. وقرىء " معكم " بسكون العين وهي لغة ربيعة وغنم وانظر الفرق بين قولهم للمؤمنين آمنا وبين قولهم لشياطينهم. هناك اكتفوا بالمطلق وهنا أكدوا المعية والموافقة بقولهم. انا ثم لم يكتفوا حتى ذكروا سبب قولهم آمنا وهو الاستخفاف بالمؤمنين وأبرزوا ذلك في جملة مؤكدة بانما وبنحن ومستهزؤون باسم الفاعل وكأنهم لما قالوا أنا معكم أنكر عليهم الاقتصار على هذا وانكم كيف تكونون معنا وأنتم مسالمون أولئك بإِظهار تصديقكم وتكثيركم سوادهم والتزام أحكامهم من الصلاة وأكل ذبائحهم فأجابوا بذلك وإنما نستخف بهم في ذلك القول لصون دمائنا وأموالنا وذريتنا. وقرىء " مستهزئون " بهمزة وبإِبدالها ياء وبحذفها وضم ما قبلها وقلبها ياء هو قول الأخفش، وأما سيبويه فيخففها بجعلها بين بين، والاستهزاء: هو الاستخفاف واللهو واللعب، والله سبحانه منزه عن ذلك. فجاء قوله:﴿ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ﴾ على سبيل المقابلة والمعنى أنه يجازيهم على استهزائهم وفي افتتاح الجملة باسم الله التفخيم والتعظيم والاخبار عنه بالمضارع وهو يدل على التجدد. ولم يذكروا هم متعلق الاستهزاء لتحرجهم من إبلاغ المؤمنين فينقمون ذلك عليهم فابقوا اللفظ محتملاً وليذبوا عن أنفسهم لو حوققوا وان كانوا عنوا المؤمنين وقال: ﴿ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ﴾ فذكر متعلق الاستهزاء فهو أبلغ من قولهم.﴿ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ﴾ فذكر متعلق الاستهزاء فهو أبلغ من قولهم. وقرىء " ويمدهم " من مدّ ومن أمدّ وإسناد المد أو الامداد لله تعالى حقيقة إذ هو المنفرد بإِيجاد ذلك وهو الممكن من المعاصي والزيادة منهما. وقرىء طغيانهم - بكسر الطاء وضمها - وأضيف الطغيان إليهم لأنهم فاعلوه كسبا وان كان الله تعالى هو مخترعه. والعمه التحير عن الرشد وركوب الرأس عن اتباع الحق. " وفي طغيانهم " متعلق بيمدهم وقيل بيعمهون. و " يعمهون " حال من مفعول يمدهم أو من ضمير طغيانهم. ومنع أبو البقاء أن يكون في طغيانهم ويعمهون حالين. قال: لأن العامل لا يعمل في حالين وهذا فيه خلاف وتفصيل.