﴿ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ عَبَّر بالماضي، تغليباً للموجود ﴿ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ من الكتب، والإيمانُ بهما جُمْلَةً فَرْضُ عَيْن، وبالأول تفصيلاً. مِنْ حَيْثُ إنّا مُتَعبَّدُوْنَ بتفاصيله فرض كفاية. تنبيه: الإنزال: النقل من أعلى إلى أسفل، وهو في المعاني يتوسط الذوات الحاملة لها ونزول القرآن بحفظ الملك إياه من اللوح إلى السماء الدنيا ثم أمرهُ السَّفَرَة بانتساخه ثم تنزيله بحسب المصالح - كذا قاله الأكثرون. وفي ابتداء الوحي، هل هو بنقل ملك آخر إلى جبريل أنه مأمور بالإنزال أو بخلق علم ضروري في جبريل به؟ خلاف، واعْلَمْ أنهم اختلفوا في خلقه لتعارض قياسين هما: كلام الله صفة وكل ما هو صفة قديم، فهو قديم، وكلام الله مؤلف من حروف متعاقبة في الوجود، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذلكَ حادث فهو حادث، والحق الأول لحديث:" القرآن كلام الله غير مخلوق "وكيفية، ولأن مبدأ الكلام فينا صفة يتمكن بها من نظم الكلمات على وجه ينطبق على المقصود، وهي ضد الخرس وغير العلم، فإنا نعلم كلاماً هو لغيرنا وكلام كل أحد ما رتبه في خياله، وكلماته -تعالى- ما رتبه في علمه الأزلي بصفته الأزلية التي هي مبدأ تأليفها وترتيبها، وهذه الصفة قديمة، وكذا المرتب بحسب وجوده العلمي ولا تعاقب فيه فلا حدوث، وإنما تعاقبه بحسب وجوده الخارجي، وهو بحسبه كلام لفظي فإنكار كون ما بين الدفتين كلام الله، فإنكار شعر الفلاني كلامه، إذْ مَعْنَى كَوْنه كلامه -تعالى- أنه ذلك الكلام موجوداً بالوجود اللفظي، تأمل هذا التحقيق تخرج من كل مضيق والله -تعالى- أعلم. ﴿ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ إيقاناً ينبغي، واليقين. إيقان العلم بنفي الشبهة عنه استدلالاً، فلا يوصف به علمه -تعالى- ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ المَوْصُوْفُوْنَ مستقرون. ﴿ عَلَىٰ هُدًى ﴾ هدية من إله عَظيم عظيمة ممنوحة ﴿ مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ الكاملون في الفلاح أي الظفر على المطالب.