لَمَّا ذكر قاطعَ الأنساب في الآخة بقولهِ:﴿ فَإِذَا نُفِخَ ﴾]المؤمنون: ١٠١[ ثم ذكر أهواله، أتبعه بقاطع النسب في الدنيا وأحكامه فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ ﴾: هذه ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾: وفرضنا أحكامها، وشدد مبالغة ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾: تتعظون ﴿ ٱلزَّانِيَةُ ﴾: قدمها لأنها أصا الفجور وزناها أفحش ﴿ وَٱلزَّانِي ﴾: الغير المحصنن حكمهما فيما يتلى عليكم ﴿ فَٱجْلِدُواْ ﴾: اضربوا ﴿ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾: ضربة ثم يغرب عامل، والمحصن يرجم والرقيق على نصف الحر ولا يرجم كل ذلك بالسنة، والمحصن هو الحر البالغ العاقل المصيب بنكاح الصحيح، ولا يشترط الإسلام خلافا للحنفية لرجمه صلّ الله عليه وسلم اليهوديين، وفي الجلد إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللحم على طريق الإدماج في إشارة النص ﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ﴾: رقة القلب ﴿ فِي دِينِ ٱللَّهِ ﴾: بترك شيء من حده ﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾: فإن المؤمن صلب من دينه ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ﴾: جلدهما ﴿ طَآئِفَةٌ ﴾: هي فرقة يمكن حَفها حول شيء من الطوف، وأقلها ثلاثةٌ ﴿ طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: للعبرة والتخجيل أو الدعاء بالغفران ﴿ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾: بَيَّن بالأُلى أنه لا يرغب في العفائف بل فيهما، وبالثانية أنهما لا ترغب فيهما بل الفسقة، فحصل التقابل ﴿ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ ﴾: النكاح ﴿ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: نسخه،﴿ وأنكحوا الأيامى ﴾]النور: ٣٢[ وبعض السلف على بقاء بطلانه، وبعض على بقاء تحريمه، ويردهما الحديث وعن مالك كراهته بشرط الشهرة به ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾: يقذفون بالزنا ﴿ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾: المسلمات الحرائر العاقلات: البالغات العفيفات، خصهن بخصوص الواقعة ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾: على رؤيتهم بما رموا ﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ﴾: كلا منهم ﴿ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾: ضربة أخف من ضرب الزنا ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً ﴾: في شيء ﴿ أَبَداً ﴾: ولو قبل الجلد ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾: والقاذف بغير ما ذكر يعزز ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾: القذف ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾: عملهم ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾: لهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾: بهم الاستثناء راجع إلى الكل، ومن التوبة الاستسلام للحد والاستحلال، فلا يلزم سقوط الحد ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾: بالزنا ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ ﴾: عليه ﴿ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ ﴾: فعليهم شهادة ﴿ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾: فيه ﴿ وَ ﴾: الشهادة ﴿ ٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾: فيه، وحينئذ يسقط حده ويتفارقان فسخاً عند الشافعي وبتفريق الحاكم طلاقا عند الحنفية ﴿ وَيَدْرَؤُاْ ﴾: يدفع ﴿ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ ﴾: الحد ﴿ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ ﴾: الزوج ﴿ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾: فيه ﴿ وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾: فيه، خصت بالغضب لأنها أصل الفجور ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾: لعاجلكم بالعقوبة ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ ﴾: في أم المؤمنين مع صفوان رضي الله عنه إذ باعدت في غزوة بني المصطلق لقضاء الحاجة وانقطع عقدها فمكثت تلتمسه فرجعت وقد رحلوا وحملوا هَوْدجها على أنها فيه، فمر صفوان السهمي فأناخ لها بعيرة وساقة حتى أتاهم بعد ما نزلوا والإفك أشد الكذب ﴿ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾: هي من عشرة إلى أربعين ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ ﴾: إفكهم ﴿ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾: لثوابكم ونزول ثماني عشرة آية ببراءتكم ﴿ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ ﴾: جزاء ﴿ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ ﴾: مُعظمَهُ ﴿ مِّنْهُمْ ﴾: ابن أُبّي لعنه الله ﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: في الدارين ﴿ لَّوْلاۤ ﴾: هلا ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾: أيها المؤمنون ﴿ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾: أي: بعضهم ببعض ﴿ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴾: وقالوا ﴿ لَّوْلاَ جَآءُوا ﴾: العصبة ﴿ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ ﴾: أي: في حكمه ﴿ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ ﴾: عاجلا ﴿ مَآ أَفَضْتُمْ ﴾: خضتم ﴿ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾: يأخذه بعضكم من بعض ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾: بلا فكر ﴿ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ﴾: بلا تبعة ﴿ وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ ﴾: وزرا ﴿ وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ ﴾: للتعجب، أو تنزيهك عن كون حبيبك كشخانا، فإنه لا يجوز للتنفير، بخلاف كفرها ﴿ هَـٰذَا بُهْتَانٌ ﴾: كذب ﴿ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ ﴾: كراهة ﴿ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾: فاتعظوا ﴿ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ ﴾: لتتعظوا ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بالأحوال ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في تدبيره ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ﴾: تنتشر ﴿ ٱلْفَاحِشَةُ ﴾: باللسان ﴿ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا ﴾: بالحدود ﴿ وَٱلآخِرَةِ ﴾: بالنار، دل على أن الرّضا بالفسق وإرادته فسق ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ﴾: سرائركم ﴿ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾: فعاقبوهم في الدنيا بحكم الظاهر ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾: لعاجلكم بالعقوبة


الصفحة التالية
Icon