لَمَّا أقسم على قدرته على إهلاكهم وتبديل خير منهم بَيَّن أنه فعل كذلك بمن كانت أقوى منهم، وهم قوم نوح، فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ ﴾: أي: بإنذارهم ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي: الطوفان ﴿ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ ﴾ بأن ﴿ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴾: فسر في الشعراء ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ﴾ أي: بعض ﴿ ذُنُوبِكُمْ ﴾: فإن حق العباد يبقى ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾: هو أقصى ما قدر لكم بشرط الطاعة، فلا ينافيه ﴿ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ ﴾: أي: الذي قدره ﴿ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ ﴾: أو معناه إلى أجل مسمى عندكم تعرفونه وقيل: بلا غَرقٍ وَقتْلٍ: ونحوه ﴿ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: أي: من أهل العلم لعلمتموه ﴿ قَالَ ﴾: بعد يَأْسه: ﴿ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ﴾: أي: دائما ﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً ﴾: عن الحق ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ ﴾: لئلا يسمعونها ﴿ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ ﴾: تغطوا بها توثيقا لسد آذانهم ﴿ وَأَصَرُّواْ ﴾: على ضلالهم ﴿ وَٱسْتَكْبَرُواْ ﴾: عن ابتاعي ﴿ ٱسْتِكْبَاراً ﴾: عظيما ﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ﴾: بعد الإسرار ﴿ ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ﴾: يعني مرة بعد أخرى بأي وجه أمكننى وثم لتفاوت الوجوه ﴿ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾: بالتوبة عن الكفر ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ ﴾: أي: ماءَها ﴿ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً ﴾: كثر الدَّرِّ ﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ﴾: بساتين ﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾: فإنهم لما كذبوه حبس مطرهم وأعمقت نساؤهم إلا بالبنات أربعين سنة ﴿ مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ ﴾ تعتقدون ﴿ لِلَّهِ وَقَاراً ﴾ عظمة فتتركون عصيانه ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ﴾: أحوالا عناصر ثم مركبا يَتغَذّى ثم نطفا، ثم وثم ﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً ﴾: كما مر ﴿ وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ﴾: لأنه في إحداهن، أو أحد وجهيه يضئ الأرض، والآخر يضئ السماء ﴿ وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً ﴾: يزيل ظلمة الليل، وفيه إشارة إلى أن نوره منها ﴿ وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ ﴾: أنشأ أصلكم ﴿ مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾: فَينْبتكم ﴿ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ﴾: بالإفناء ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾: بالبعث ﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً ﴾: مبسوطة ﴿ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً ﴾: طرقا ﴿ فِجَاجاً ﴾: واسعةً ﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ ﴾: بفتح واوه ظاهر، وأما بضم واوه وسكون لامه فجمع أو لغة فيه ﴿ إِلاَّ خَسَاراً ﴾: يعني رؤساؤهم المغتربين بهما ﴿ وَمَكَرُواْ ﴾: أي: الرؤساء ﴿ مَكْراً كُبَّاراً ﴾: مبالغة كبيرا بالتخفيف، وهو إغراؤهم الناس على إيذا نوح عليه الصلاة والسلام ﴿ وَقَالُواْ ﴾: لسفلتهم ﴿ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ﴾: بالعبادة ﴿ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ﴾: أصنامكم على صور رجال صالحين، بين آدم ونوح خصوها لمزيد اعتنائهم بها ﴿ وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً ﴾: من الخلق بذلك ﴿ وَ ﴾ قال رب: ﴿ لاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً ﴾ إلاَّ ضياعاً وهلاكاً أو نحو:﴿ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾[يونس: ٨٨]، وقد مر بيانه ﴿ مِّمَّا ﴾: صلة، أي: نم أجل ﴿ خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً ﴾: في قبورهم أو جهنم ﴿ فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً ﴾: بمنعونهم العذاب ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾: أحَداً يدور في الأرض، أو نازل دار، أصله دَيْوَار ﴿ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً ﴾ عرفَ ذلك بالوحي أو لما جربهم ألفا إلا خمسين عاما ﴿ رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ ﴾: منزلي أو مسجدي أو سفيننتي ﴿ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾: إلى القيامة ﴿ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً ﴾: أي: هلاكا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.