﴿ مَثَلُهُمْ ﴾ أي: عجيب حال المنافقين حين أظهروا الإسلام، وأصل المثل: النظير ثم قيل للقول الفاشي الممثل مضربه بمورده، ثم استعير لكل حال غريب ذي شأن ﴿ كَمَثَلِ ﴾ الفوج ﴿ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ ﴾ النار ﴿ مَا حَوْلَهُ ﴾.
وأمنوا من الخوف ﴿ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ المقصود بالإيقاد، فبقوا في ظلمة وخوف، وهذا مثل كفرهم بعد الإسلام وعدل عن ضوئهم لئلا يحتمل بقاء قليل من النور [وأيضاً إذا عدم الأصل عدم الفرع والتحقيق أن الضوء فرع من النور يُطْلَقُ على الشُّعَاع المُنْبَسطِ، والنور يطلق على ما للشيء في نفسه كالقائم بنفس الشمس، فالضوء مع فرعيته أبلغ لأنه إنما يبصر بدخليته ولا يكفي فيه النور، إذ النور القائم بالشيء إنما يبصر به نفسه فقط وأما رؤية ما سواه فبتوسيطِ الضوء الفائض منه - والله أعلم] ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ ﴾ ظلمات الكفر والمعاصي والقبر أو القيامة أو ظلمة شديدة كأنها ظلمات ﴿ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴾ هم ﴿ صُمٌّ ﴾ عن قبول الحق ﴿ بُكْمٌ ﴾ عن قوله ﴿ عُمْيٌ ﴾ عن إبصاؤه لدهشة الظلمة ﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ إلى الهدى المبيع، فحالهم كما ذكر ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ ﴾ سَحَاب مطر أو سحاب ﴿ مِّنَ ﴾ جوانب ﴿ ٱلسَّمَآءِ ﴾، هذا من إجراء التمثيل يإزاء القرآن ﴿ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ ﴾ من تكاثف الغمام والمطر والليل، وهذا بإزاء شبه المبطلين ﴿ وَرَعْدٌ ﴾ صَوْتُ مَلَك السَّحَاب وهذا بإزاء وعيدات القرآن ﴿ وَبَرْقٌ ﴾ نار تطير فيه عند غضب، هذا بإزاء ما وُعِدَ في القرآن ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ ﴾ أناملهم ﴿ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ﴾ أجل ﴿ ٱلصَّوَٰعِقِ ﴾.
[جمع: صاعقة وهي] شدة صوت الرعد ﴿ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ ﴾ هذا بإزاء تصاميمهم من الوعيدات، وهذا من التمثيل المفرد، وهو أن تأْخُذَ أشياء فرادى تُشَبَّهُهَا بأمثالها [ويمكن جعله تمثيلاً مؤلفاً فهو تشبيه كيفية منتزعة من مجموع تضامنت أجزاؤه حَتَّى صَارَ شيئاً واحداً بأُخرى مثلها كقوله -تعالى-:﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ﴾[الجمعة: ٥] ﴿ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ لا يفترونه كالمحاط لا يفوت المحيط.