باب ما جاء في التوفيق بين آيات من كتاب الله تعالى يدعي أهل الزيغ والإلحاد أنها متناقضة
٣٥٥- أخبرنا جعفر بن محمد المكي حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبيد الله بن سريج حدثنا جعفر بن محمد بن الحجاج القطان حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا عبد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاءه رجل فقال: ياابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تخالف علي فقد وقع في صدري منها ما هو بتكذيب ولكن اختلاف قال: فهات ما وقع في صدرك من ذلك فقال الرجل: أسمع الله تعالى يقول ﴿فلا أنساب بينهم يومئذ، ولاَ يتساءلون﴾ وقوله ﴿ولا يكتمون الله حديثا﴾ وقوله في آية أخرى ﴿والله ربنا ما كنا مشركين﴾ فقد كتموا في هذه الآية.
وقوله ﴿أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها﴾ فذكر الله تعالى في هذه الآية خلق السماء قبل خلق الأرض وقال في آية أخرى ﴿أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين﴾ إلى قوله: ﴿طائعين﴾ فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل خلق السماء.
وقوله ﴿وكان الله غفورا رحيما﴾ ﴿وكان الله سميعا بصيرا﴾ ﴿وكان الله عزيزا حكيما﴾ فكأنه كان ثم مضى.
-[٣١٧]- فقال ابن عباس للسائل: هات ما وقع في نفسك من أشباه هذا فقال: إذا أنبأتني بهذا فحسبي فقال ابن عباس: أما قوله تعالى ﴿فلا أنساب بينهم يومئذ، ولاَ يتسائلون﴾ فهذا في النفخة الأولى ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات، وَمن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك، ولاَ يتساءلون فإذا كان في النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأما قوله تعالى ﴿والله ربنا ما كنا مشركين﴾ وقوله ﴿ولا يكتمون الله حديثا﴾ فإن الله يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم، ولاَ يغفر شركا فتعالوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين فسألهم الرب عز وجل ﴿أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون﴾ قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين وإنما كنا أهل ذنوب فقال الله تعالى: كتمت الألسن واختموها على أفواههم بختم الله على أفواههم فنطقت أيديهم وشهدت أرجلهم بما كانوا يكسبون فعند ذلك قوله تعالى ﴿يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض، ولاَ يكتمون الله حديثا﴾.
وأما قوله تعالى ﴿أم السماء بناها. رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها﴾ فإن الله تعالى خلق الأرض قبل خلق السماء في يومين ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات في يومين آخرين ثم نزل إلى الأرض فدحاها أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار وجعل فيها الجبال والرمال والآكام والسبل وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله تعالى ﴿والأرض بعد ذلك دحاها﴾ وخلق السماء وما فيها من شيء في يومين وخلق الأرض وما فيها في أربعة أيام.
وأما قوله ﴿وكان الله غفورا رحيما﴾ ﴿وكان الله عزيزا حكيما﴾ ﴿وكان الله -[٣١٨]- سميعا بصيرا﴾ فإن الله نحل نفسه ذلك ولم ينحله غيره وذلك قوله تعالى وكان الله أي لم يزل كذلك.
ثم قال ابن عباس للسائل: احفظ ما حدثتك وأعلم أنك إنما اختلفت عليك من القرآن أشباه ما حدثتك وإن الله لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب به الذي أراده ولكن الناس لا يعلمون فلا يختلفن عليك القرآن فإن كلا من عند الله.