المصاحف، والخلاف فيها، فسنبين فيما بعدُ إن شاء الله أنها من الأخبار
التي يجب القطعُ على فسادها وتكذيب نقلتها وتنزيهِ أهل البيت عنها.
دليلٌ آخر: ومما يدل أيضاً على أن القرآنَ المرسوم بين اللوحين هو
جميع القرآن الذي أتى به الرسول - ﷺ - على ترتيب ما أنزل نقلُ الكافّة الذين ببعضهم يثبتُ التواتر أن هذا القرآنَ هو جميعُ ما رُسم حفظه، وأُلزمنا الرجوع إليه، لم يغيَّر ولم يبدَّل، فوجب لذلك القطع على صحة نقلهم وثبوت علم الضرورة بصدقهم، لأنه لو جاز أن يُقال في نفس البقرة وآل عمران والأحزاب (لم يكن) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١).
ليست على ما أنزلت، وأن يكون قد سقط من هذه السور شيء كثير أكثرَ مما بقي، أو زيدَ فيها ما ليس منها أو غُيِّرت وبُدّلت عن نظمها وترتيبها الذي أُنزلت عليه، لساغ كذلك في الحمد والناس والفلق و (قُل هُوَ اَللهُ أَحَد)، وأن يقول قائل: إن ذلك أجمعُ مزيد فيه أو منقوص فيه، ومرسوم في المصحف على خلاف ما أنزله الله، وما كان يتلوه الرسول ويكرره مدةَ أيام حياته، في صلواته، ويجهر به، ويأخذ الناس بحفظه، ولو جاز على الجماعات الناقلة للحمد والمعوذتين و (قُل هُوَ اَللَّهُ أَحَد) الكذبُ والافتعالُ، والسهو والإغفالُ، لجاز عليهم ذلك أجمع في نقل وجود الرسول بمكةَ والمدينة، ودعائه إلى نفسه، واحتجاجه بالقرآن، وتحدِّيه العربَ أن تأتيَ بمثله، وفي نقل وقائعه ومغازيه وفتوحه، وغير ذلك من أحواله الظاهرة المستفيضة، فلمّا لم يجُز جحدُ شيءٍ من ذلك أو الشك فيه لم يجز الشكُّ في شيءٍ من القرآن، وأنه هو جميع ما أتى به الرسول على وجه ما أُنزل، ولا الجحدُ لشيءٍ من ذلك.
فإن قال قائل: نحن نعلمُ باضطرار أن النبي - ﷺ - كان بمكةَ والمدينة وأنه دعا إلى نفسه وتحدَّى بمثل الكتاب الذي أتى به، وغير ذلك مما ذكرتم،