يلقي ذلك إلى أبوابه ودُعاته، وأنّ الأمرَ في ذلك على ما قلناه، فيكتمونه
ويحرّفون عليه ويكذبون، لأنّهم غيرُ معصومين، وكذلك إن عُيّرَ عِلْيَتُهم
بآخرين كان حالهم كذلك، وإذا كان ذلك كذلك بطل جميع ما يحاولون به
دفعَ هذه الإلزامات.
فإن قالوا: إن هذا أيضاً لازمٌ لكم ومنقَلِب عليكم، لأنكم جميعاً
تعترفون بأن الله سجّله، فإن نسَخ منه آياب كثيرة وقرآناً كان أنزله، ونهى بعد ذلك عن إثبات رسمِه وقراءته، ونسَخَ تلاوتَه، وإذا كان ذَلك عندكم كذلك فما يؤمّنكم أن يكون فيما نسخه وأزال رسمَه جميع أحكام الباقي رسمه أو تغييرها وإزالة فرضها، ولعل فيما نسَخه نصاً على أنبياء وأئمة بعده وإطلاق جميع ما يعتقدون دلالة الباقي على تحريمه.
قيل لهم: لا يلزمنا شيءٌ مما قلتم، وذلك أننا لا نجيز على الأمة
بأسرها وعلى العدد الكثير الذين بهم تقوم الحجة أن تتفقَ هِمَمُهم ودواعيهم
على كتمان نسخ ما نُسخ عنهم فرضُه، ووفقوا على تغيّر حكمه بغيره
وتبديله، ولا أن يفتعلوا خبراً كذباً على نبيهم عليه السلام، فإنّه أوجبَ
عليهم ما لم يوجبه، وشرعَ لهم ما ليس من دينهِ، بل لا يجوز ذلك عليهم
فيما لا تعلُّق له بباب الديانات، لامتناع ذلك عليهم في العادة، وتعذُره من
مثلهم، وأنهم متجبّرون على جميع الأئمة سوى الإمام المعصوم، أو أهل
العدد الكثير، والدّهماء منها افتعالُ الكذب وكتمان ما سُمع وشوهد.
ويزعمون أنهم قد كتموا قرآنا كثيراً كانوا سمعوه من الرسول - ﷺ - وحفظوه عنه، ولا مأمونَ أن يكون ما كتموه منه أضعافَ ما في أيدينا وإن كان الرسول قد وقفهم على ما كتموه كتوقيفه لهم على هذا القدر الذي نقلوه عنادًا منهم وقصداً إلى الإدخال والإلباس في الدين.


الصفحة التالية
Icon