فإن قالوا: ما أنكرتم أن يكونوا إنما قصدوا بذلك الإفساد للشريعة
وإيقاع الخلل والتخليط في الكتاب معاندةً للدين والرسول فقط، قيل لهم:
ما قدمناه من وصف دينهم وتشددهم وعظيم عنائهم ونُصرتهم وإنفاقهم
وجهادهم في تأييد الدين ونصرة الرسول وإقامة كلمة الحق: ما ينفي ذلك
عنهم، وكيف يقصد مثلَ هذا من قتل أباه وأخاه وعشيرته في نُصرة الدين
ومورده، وأنتم إلى التهمة بإفساد الدين والطعن على الشريعة والقرآن وإيقاع التخليط والإلباس فيما يتعلق بالدين أقرب، فلذلك يُقدِمُون على قذف الصحابة والجلّة من الأئمة بمثل هذه الأمور، ليحمل العامة أنفسهم على ثلْب السلف، ثم ثَلْب من قدمهم الله وأجلهم وأظهر إكرامهم، وأنتم تعترفون بأن النبي - ﷺ - فعل بهم ذلك، ثم بثلْب من وادَع هؤلاء، وأخذ عطائهم وحكم مصحفهم وقرأه وأقرأ أصحابه به، ولم يعرض لنقض أحكامهم، وأورد التمويه والكلام المحتمل للتأويلات في بعضهم، ثم ثَلْب من أظهر تسليم الأمر إلى من هو شرّ من الطبقة التي قبله، ثم كذلك إلى وقتنا هذا.
وقد علمتم أن كثيراً من الناس من يحكي أن كثيراً منكم يبرأ من الرسول
حيث قرّب هؤلاء القوم ولم يكشف للناس حالهم، ثم يرقى إلى ثلْب جبريل
وصاحب الرَّوشَن، ثم يختم ذلك بأن يقول: كل هذا التخليط من قبل الله
الذي وثق هؤلاء وجعلهم وسائطا إلى خلقه متحملين لرسالته، وربما كنَّى
عنه - جل ثناؤه - بالقَبَسي، وكل هذا تلاحد وتلاعب بالدين وإدغالٌ له ولأهله، وفتحُ باب مَاحِلٍ به، فأنتم في شتم السلف وقذفهم بما قد نزههم الله عنه أقربُ إلى قصد عناد الرسول والطعن في الدين والقدح في أئمة المسلمين.
دليل آخر: ومما يدل أيضا على أن الصحابة لم يثبتوا في المصحف إلا
ما كان ظاهراً مشهوراً بينهم وأن نقلهم لجميع القرآن واقع على وجه تقوم به


الصفحة التالية
Icon