مدع ذلك في بعض الأحرف أسعدَ من مخالفيه ومدّعيه في غير ما ادَّعاه.
ولأن ذلك لو كانَ كذلك من الرسول لوجب أن يُعرفَ من دينه، وأن يُنقل
ذلك عنه نقلا تقوم به الحجّةُ، ولأنه بمثابة دعوى ذَلك في بيان بعض أحكام
الفرائض العامّة اللازمة للأعيان المشهورة من دين الرسول.
وإذا كان ذلك كذلك بان أنّ رسول الله - ﷺ - قد بيَّنَ جميعَ القرآن وصدَعَ به وقطع العذر في بابه في بيان جميع وجوهه وأحرفه التي تدلُّ عليها، وأطلقَ القراءة بها، وأخبرَ أنّ الله شرعَ تسويغَ القراءة بها.
وممّا يدلُّ على ذلك أيضاً ويوضَّحُه وجودنا جميع الأمّه في زمن أبي
بكر ووقت جمعه للقرآن، وفي أيام عثمانَ وجمعه الناس على الأحرف
والقراءات التي أثبتها وأخذَ الناسُ بها متفقين مطبقين على إثبات ما أثبتوه
من القرآن والقراءات، فلو كان من ذلك ما نُقل إليهم نقلَ الآحاد وما لم يقم
به الحجَّة ولا انقطع العذر لم يجز في مستقِرِّ العادة وموضوعها أن يُطبقوا
على إلحاق قرآن وقراءة تُروى لهم من جهة الآحاد لم تقم به حجةٌ بالقرآن
والقراءة الثابتة المعلومة من دين الرسول - ﷺ - بالخبر الظاهر المستفيض القاطع للعذر، وأن يخلطوا ما لم يُعلم من ذلك ولم يثبت بالخبر الظاهر المعلوم، ولكانَ لا بد في مستقرِّ العادة من أن يمتنعوا من ذلك أو أكثرُهم، أو أن يقول خلقٌ منهم: كيف يجوز أن يُلحَقَ بما قد علمناه من القرآن والقراءات وتيقَّناه وانقطع عذرنا فيه ما لم نعلم صحَّته ولا ندري لعل الرسول لم يبلّغْه ولم يُنزلْ عليه، أو لعلَّه بلَّغه وأُنزل عليه على غير هذا الوجه وأن يمرجوا ويموجوا في ذلك، ويكثر خوضُهم ويكون الرادُّ لذلك والمنكِرُ له
والمانعُ من إثباته وإلحاقه بالظاهر المعلوم أكثرَ وأغلبَ من الراضي به
والمسوّغِ له، لأنه لا يجوز على مثل عددهم في فضلهم ودينهم وأماناتهم أن