أيدينا من ذلك، وأنه قد ذهب على الأمّة حفظُ أكثر ما شرعه الرسولُ لها.
وإن كانت قد حفظت هذا القدرَ الباقي لأجل أنّها لم تحفظ تلكَ الأحكامَ
والحدودَ والفرائض لتركِهم للإصغاء للرسول عليه السلام وقبولِ ذلك منه.
وقلَّة إحفالهم به، وإئَما حفظوا هذا القدرَ لخفَّته على قلوبهم، أو لسببٍ أوجبَ ذلك لا يعرفونه، ومن بلغ إلى هذا فقد ظهر جهلُه، وكُفينا مؤونةَ كلامه.
وإن كان هذا والذي قبلَه محالاً وكانت الأمّة قد حفظت عن الرسول
- ﷺ - جميعَ ما أتى به من القرآن وعظّمته وجرت في تفخيم شأنِه
على سبيلٍ واحدٍ غير أنّها أسقطت ذلك فتركت نقلَه وضبطَه بعدَ أن كانت
وعَتْهُ وحَفِظَتْهُ فذلك أيَضاَ محال، لأئَه لا يخلو سقوطُ ذلك عليها وتركُها
لإثباته من أن يكونَ عن قصدٍ منهم إلى ذلك ومواطأةٍ وتراسلٍ على طيَّه
وكتمانه، أو باتفاقِ ذلك وسهوِ سائرهم عنه عن غير قصدِ إلى ذلك ولا
اعتمادِ لتركه وتواطىءِ على كتمانه فيستحيلُ أن يكون ذلك واقعاً منهم بعدَ
حفظه ومعرفته على سبيل القصد والاعتماد والتشاعُرِ والتراسلِ على كتمانه، لأنّه لو كان ذلك كذلك لوجبَ في مستقرِّ العادةِ ومقتضاها أن يظهرَ عليهم
وعنهم ذكرُ هذا التواطىء أو التراسل، وأن يدورَ الحديثُ به بينهم، ويُعلمَ
ذلك من حالهم في يسير الوقتِ وأقصرِ المدّة، فإن يذكروا أسبابهم
ودواعيهم الباعثة لهم على كتمان ما قد عرفوه وسمعوه من القرآن حتى لا
يخفى على أحدِ عرَفَهم وتأمَّلَ بأحوالهم وخالطهم ألِّهم أهلُ تراسلِ وتشاعرٍ
على إنكار ما عرفوه ودفع ما علموه، فلمَّا لم يظهرْ ذلك عليهم ويُعلم من
حالهم ثبتَ بذلك أنهم لم يتواطؤا على كتمان شيءِ من كتاب الله.
ولو جاز أن يكتموا من القرآن سورةَ أو سوراَ أو آياتِ بقَدْرِ سورةٍ أو
سورِ منه لأسباب تعنيهم أو أغراض وبواعثَ حَدَتْهُم عليه، ثم لا يَظْهَرُ ذلك


الصفحة التالية
Icon