داخلٍ في الإسلام بقراءةِ القرآن وتعلُّمه إياه بعدَ الشهادتين، ولا يقدمُ على
ذلك شيئاً غيره، ويعرّفهم قدرَ موقعه، ولا يدع ذلك ببلده ودار مُهاجَره
وسائر الآفاق والأقطار التي افتتحها وفشا الإسلامُ فيها، ولا يخلِّي أهل ناحيةٍ
وجماعة من الأمة من مُعلِّم القرآنِ ومنتصبٍ له فيهم، كما لا يخليهم من
معلم للإسلام وأركانه وفرائض دينهم التي لا يَسَعُهم جهلُها والتخلُّفُ عن
حفظه ومعرفتها، وظهر ذلك من أمره واشتهر لكثرة إبدائه وإعادته بالقرآن
وتعظيمِ الشأن فيه والحثِّ عليه وكثرةِ تلاوته بقوله على أهل المواسم
والمحافل في أيام الحجِ وغيرها، والإذاعة له في أنديةِ قريشٍ ومجالسهم.
وذكرِ أصحابه ورسله والداعين إليه للقرآن، وأخذهم الناسَ بتعليمه وتحفطُه
حتى صارَ كثير من قريشٍ ومن اليهودِ والنَّصارى يحفظون كثيراً منه كما
يحفظ المسلمون، ويعرفون ما يتلى عليهم منه كما يعرفه الناظر في
المصحف من المسلمين والذي كثُر طرقُه لسمعه وإن لم يُحط حفظاً به.
ولم يكن هذا أمراً خافياً ولا مكتوماً، فروى الناسُ روايةً ظاهرةً أنّ النفرَ
من الأنصار الذين منهم النقباءُ والأفاضلُ لما لقوا رسولَ الله - ﷺ -
في الموسم فأجابوه إلى الإسلام ولم يرجعوا إلى المدينة حتى حفظوا في
وقتهم صدراً من القرآن وكتبوه ورجعوا به إلى المدينة، فلما كان من قابل
كانت العَقَبةُ الأولى، ونشأ الإسلام في المدينة، فأرسلت الأنصارُ إلى رسولِ
الله - ﷺ - يطلبون رجلاً يُقرئهم القرآنَ ويفقِّهُهم في الدين، فوجَّهَ
إليهم مصعَبَ بن عمير، وكانوا يسمُّونه المقرئ، وما زال مقيماً عندهم