فهذه قصة ظاهرة عن ابن عباس وظاهر من قوله لا يُنكِرُ عليه أحد ولا
يرُدُّه، ولا يقول له قد فرّقتنا بتركِ آية من كتاب الله، وما هذا نحوه، وكل
ذلك ينبئ عن كونِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ منزلة عندَ فواتح السور.
ومما يدلُّ على علمِ الصحابة بأنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية منزلة عندَ
افتتاح كل سورة وأنّ التاركَ لقراءتها في درسه إنما يترك عندَ نفسه آية منزلة
ليست من جُملة السور بل منفردةً عنها: اتفاقُ جميعِهم على إثباتِ بسم الله
الرحمن الرحيم في افتتاحِ كل سورة، وتركِهم لذلك في افتتاح سورةِ براءة.
فلولا أنهم موقوفون على إثباتِها وكونها آية عند افتتاح كل سورة سوى سورة
براءة لأثبتوها أيضاً في أولِ سورةِ براءة، لأنهم كانوا إنما فعلوا ذلك بالرأي
والاستحسان على وجهِ الافتتاح للتلاوة بها، وجبَ لهذه العلةِ افتتاحُ براءة
أيضاً بها، وفي عدولِهم دليل على أنها ليست بآية في ذلك الموضع وإن
كانت آية منزلة في افتتاح كل سورة.
قالوا: ومما يدل أيضاً على هذا القول ويؤكِّدُه ما ظهر وعُرِفَ من كراهة
جماعةٍ من سَلَف الأمةِ الأفاضل النبل أن نثبتَ في المصحف شيئاً ليس منه.
من ذكر اسمِ السورة وذكر خاتمتِها وأعشارها وغير ذلك من تزيين
المصاحفِ بالذهب وإحداث أمرٍ فيه لم يكن مرسوما في مصحف الجماعة
الذي هو الإمام، إلى أن أعظموا القولَ في ذلك، وقالوا إنه بدعة ممن فعله.
وطلبت العِلَلُ والمعاذِيرُ لمن فعل ذلك بأخذه لحاجته إلى معرفة أسماء
السور، ومواضع الأعشار منها، هذا مع ظهور الحال في ذكر أسماء السورةِ
وخاتمتِها، وعددِ أعشارها وأخماسها، وأنه لا شبهةَ على أحدٍ في أنّ ذلك
ليس بقرآن منزل، فكيف بهم في إثباتِ ما يلتبس ويُشكل، وقد شاع ذلك
عنهم، فلو كانت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ليست من جُملةِ القرآن ولا مما