سبيلَ أيضاً إلى علمه، كما أنّه لا سبيلَ لنا إلى أنّ خاتمَ القرآن بحرف أهل
مكةَ والنطق بواو الجمع أكثرُ ثواباً من مُسقِط هذا الواو، وإن تيقّنا أنّ عددَ
حروف إحدى الختمتين أكثرُ من عدد الأخرى بشيءٍ كثير، لأجل أنّ
الاجتهادَ إذا أدى إلى أنّ حذفَ هذا الحرف - الواو - أولى وأخفُّ على
القلب واللسان وألطف موقعاً في قلوب سامعي القراءة، أو أدعى لهم إلى
التعلم والإصغاء كان ذلك بمنزلةِ من أدّاهُ اجتهادُه إلى أنّ إثباتَها أولى.
والنطقَ بها لأجلِ وجوهٍ أُخَرَ، ولأنّها الأصلُ في الكلام، وغير ذلك.
فكذلك من أدّاه اجتهادُه إلى إسقاطِ قراءةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عند
افتتاح كل سورةٍ يُريد وصلَها بغيرِها التي بعدَها لأجل ما يقصده من تذليلِ
لسانه ورياضةِ نفسه واقتداره على وصل آخر السورة بابتداء غيرِها لمعرفة
حكم الابتداء والإعراب في ذلك، مع اعتقاده فيه الوقفَ عندَ فراغه من
آخر السورة، وإتْباعها فيه الوصلَ لافتتاح ما بعدَها، ولِيَعرِفَ كيف يفعل
ذلك، وكيف كلامُ أهل العلم واللغة فيه، فإنّ هذا الجمعَ اجتهاد وتوصُّل
إلى علمٍ نافعٍ وتدربٌ بهذا القرآن والتبسُّطِ في تلاوته وحُسنِ الإفصاح به.
فما يُمكننا مع قصدِ مُسقِط الافتتاح بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من ختمته إلى
ما ذكرناه أن نعلمَ أنّ ثوابه أقلُّ من ثواب المفتَتحِ بما في مبادىء السور في
ختمته.
وربّما كان أيضاً ثوابُ الخاتمين مع تلاوةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أكثر
من ثوابِ الآخر لِمَا تُقارِبُ ختمته من الخُنُوعِ والخشوع والاتّعاظ والإخلاص
وصدق العمل، وربّما كان ثوابُ الختمة الواحدة أكثرَ من ثواب الختمات
الكثيرةِ إذا توافرت مثلُ هذه الأسباب، وربّما كان ثوابُ قراءة الآية وأقل أو السورة الواحدة أكثر من ثواب الختمة إذا قادت الآية ُإلى الإخلاص وصدقِ