تأليفها، لأنّ ذلك فسادٌ وتخليط، وعائدٌ بدخولِ الخَلَلِ والفَبس وقِلَّةِ الضبط
لكتابِ الله تعالى، والذهابِ ببهائه وبَهجته، وقد يسوغُ من هذا الباب على
وجه السهو والنسيان ما لا يجوزُ مع الذِّكر والاعتماد، كما يجوز التفرقةُ بين
حكم الأفعالِ الواقعة على وجه السهو والنسيان والأفعالِ الواقعة على وجه
العمد والقصد في الصلاة، وكثيرٌ من أحكام الشرع في باب سقوط الإثم في
آخر الفعل إذا وقع على وجه السهو، وإفساده إذا وقع على وجه العمد.
وقد استقَرَّ مِن عمل الأمّة ودينها جوازُ مثل فِعل علي عليه السلام إذا
وقع لعذرٍ وعلى وجه السهو، وعلى حَظْره ومنعه إذا وقع على وجه القصد
والعهد، والحكمُ بأنّه إفساد لنظم القرآن، ونقضٌ لتأليفه، ومخالفةٌ لسنّة
الرسول - ﷺ - والسلف الصالح مِن بعده، فلا وجهَ للجمع بين الأمرَين أو حمل ذلك الفعل من على عليه السلامُ على أنّه قصده واعتمده، وقد يجوز أن يكون الله سبحانه إنّما أباحَ ذلك في حال السَّهو وعُذرِ فاعله، " لأجل علمه سبحانه بأن أحداً لا يكاد يسلَم من السهو والإغفال، وأنهم لمَّا كُلّفوا متى سَهَوْا عن آيةٍ أن لا يقرؤوا ما بعدَها حتى يذكروها لمِنُعُوا بذلك من الدرس، واكتسابِ عظيمِ الأجر وتهذيبِ الحفظ، ولو كُلِّفوا إذا ذكروا الآيةَ التي أسقطوها في الخمس الأول من البقرة بقُربِ آيةِ الدَّين أن يرجعوا فيقرؤوها ثم يعيدوا جميعَها ما كانوا قرؤوا بعدَها إلى حيثُ بلغوا: لعاد ذلك بتغليظِ المشقّة عليهم والسآمةِ منهم والضجر والمَلال بما كُلِّفوا، وشِدّةِ الاستثقال لما أُلزِمُوا، وقلة الحرصِ عليه والقيامِ به، والله تعالى أعلمُ بتدبير خَلْقِه ومصالح عبادِه ووجوه الألطاف فيما تعبَّدَهم به، وإذا كان ذلك كذلك سقطَ تعلُّقُهم بهذا الخبر إن صح، ولزمَ قلوبَنا العلمُ بثبوته.