الباب من الكلام المحتَمِلِ ظاهراً منتشراً إذا كان لم يقع من الرسول وقوعاً
معلَناً بحضرة مَن تقومُ به الحجّةُ، ولا هو ممّا أراد وقصدَ وقتَ قوله ذلك
للواحدِ والاثنين أن يُذاعَ عنه ويَنتشِرَ من قِبَلِه حتى يكرره ويرددَه ويقصدَ إذاعتَه وإقامةَ الحجّة بإظهاره، وإذا كان ذلك كذلك لم يجب شيء مما قلتموه.
وقد اختلفَ الصحابةُ ومَن بعدَهم في أولِ ما أُنزل من القرآن وآخره.
ورُوِيَت في ذلك روايات كلها محتملة للتأويل، فقال قوم منهم: أولُ شيءٍ
أُنزل: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١).
وقال آخرون: أولُ ما أُنزل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١).
وقال قومٌ: أولُ ما أُنزل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر فاتحة الكتاب.
فروى يحيى بن أبي كثيرٍ قال: سألتُ أبا سلمةَ بنَ عبد الرحمن:
أي القرآنِ أُنزل أولاً، فقال: سألتُ جابرَ بنَ عبد الله: أي القرآنِ أُنزل
أولاً، قال: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١).
قلتُ: أو (اقرَأ)، قال جابر بن عبد الله:
ألا أحدّثكم بما حدّثنا به رسولُ الله - ﷺ - قال: قال رسولُ الله - ﷺ -: "إني جاورتُ بحِراءَ شهراً، فلما قضيتُ نزلتُ استبطَنتُ بطنَ الوادي، فنُوديتُ فنظرتُ أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أرَ شيئاً، ثم نُوديتُ فنظرتُ أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أرَ شيئاً، ثم نظرتُ إلى السماء فإذا هو على العرش - قيل: يعني أنه المَلَكُ على العرش - في الهواء، فأخذتني رجفة، فأتيتُ خديجةَ، فأَمَرَتْهم فدَثّروني، ثم