فأما مَن قال: إن أولَ سورة أُنزلت الحمدُ لله رب العالمين، فإنّهم
يروون ذلك من طريقِ إسرائيلَ بن أبي إسحاقَ عن أبي ميسرةَ قال:
"كان رسولُ الله - ﷺ - إذا مرَّ سمعَ من يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوتَ انطلقَ هاربا، فأتى خديجةَ فأخبرها، فأسَرَّت ذلك إلى أبي بكرٍ الصديق، فقال: انطلقي بنا إلى وَرَقة، فحدّثه، فقال ورقةُ: هل رأيتَ شيئاً، قال: لا، فقال: إذا سمعتَ النداء فاثبُت حتى تسمعَ ما يُقالُ لك، فلما سمعَ رسولُ الله - ﷺ -: يا محمد قال: لبيك، قال: قل: أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وأنّ محمدا عبدهُ ورسولُه، ثم قل: الحمدُ لله رب العالمين.. فاتحةَ الكتاب " وساقَ الحديث.
وهذا الخبرُ مُنقطِع غيرُ متصل السند، لأنّه موقوف على أبي ميسرةَ، وأثبتُ الأقاويل من خلاف الصحابةِ قولُ مَن قال: إنَّ أولَ
ما أُنزل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، وما يليه في القوةِ قولُ جابر،. ومَن قال أول ذلك (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ).
وليس في هذه الأخبار نصّ من الرسول لا يَحتملُ التأويل َ ولا فيها ما
يقتضي لفظهُ ومجيئُه أنّه قال ذلك للكافّةِ وألزمهم نقلَه واعتقادَه وحَظَرَ عليهم
التخقف عن حفظهِ ومعرفتهِ، فلذلك لم يجب ظهورُ هذه الأخبار، ولزومُ
القلوبِ العلمَ بصحتِها والقطعَ عليها، وإن كنَّا في الجملة نقول: إنَّ الحق لا
يخرجُ عن اختلاف الصحابة للدليلِ القائمِ على ذلك، وهذه الأخبارُ المرويةُ