إلى الرسول - ﷺ -، ونقولُ: إنه لو ثبتَ ذلك من عَقدِهم ودينهم لوجبَ القطعُ على أنه قرآنٌ، لأن الأمّةَ عندَنا لا تجتمع إلا على حقّ وصواب، فبان أنّه لا شُبهةَ في فسادِ هذه الدعوى.
وأما قولُهم بعدَ هذا إنّهم لا يخالفون في إطلاقِهم القولَ بأنَّ ما بين
اللوحَين قرآن منزل، وليس لنا أن نقيدَ ما أطلقوه ولا أن نَخُصّ ما عَمُّوه.
فإنّه تعليلٌ وتدقيق عن مَبُوحٍ به، لأنّ العمومَ عندَنا وعندَ أكثرِ الأمة ما ثبتَ له الأمة للعموماتِ في الأحكام والمواضع التي اعتقدت العمومَ بها بإطلاقِها
لقفظ الذي يُدعي أنّه موضوغ للعموم، وإنّما يُعلم ذلك عند مشاهدتِها
ضرورةً بالأماراتِ الظاهرةِ المقارنةِ لإطلاقِها، ويُعلم ذلك من دِينها عند
الغَيبة عنها بنقل من يُوجِبُ خبرُه العلمَ أنَّه عَلِمَ ذلك من دينها ويُحقّقُ قطعَها
عليه، ولا يسألهُ عن وجه علمه بذلك ويعلَمُ أنّه لم يعلم ذلك من حالِها
بنفسِ اللفظِ ولا الإطلاقِ الذي يَحتمِلُ الخصوصَ والعموم، ولكن بالأسبابِ
والقرائنِ والأماراتِ المقارِنةِ للفظ الذي لا يمكنُ نعتُها ووضعُها وتجديدُها
وتحبيسُها لما قد بيَّنَّاه في أصول الفقه وغيره في فصول القول في إبطالِ
العموم، وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى للتَّعلُقِ والتشبّثِ بانّه لا وجهَ لتقييدِ
ما أطلقوه، وتخصيصِ ما عَمّوه.
وأما قولُهم إنّه لو لم يُعلَم ذلك بنفسِ قولِ الأمّة وإطلاقِها لم يُعلَم ذلك
أيضا بقولِ رسولِ الله - ﷺ - وإطلاقِه ونشرِه المصحفَ ورقةً ورقة، فإنه كذلك يقول لأنّه قد يُطلِقُ رسولُ الله - ﷺ - اللّفظَ الذي يدّعي قوم أنّه العمومُ ويكونُ مرادٌ به الخصوصُ، ويتلو أيضاً بذلك قرآناً يظُن قومٌ أنّه على العموم والمرادُ به الخصوصُ.


الصفحة التالية
Icon