وأما قولُهم إنّه قد ساغَ وظهرَ في الصحابةِ أنّ قوماً منهم ادعوا أنّ بسم
الله الرحمن الرحيم آيةٌ من القرآن فلم يُنكِر ذلك الباقونَ ولا اعترضوا فيه
بشيءٍ: فإنه باطلٌ، وأولُ ما فيه أنّنا لا نعلمُ أنّ ذلك شاعَ وظهرَ في
الصحابة، لأن ذلك لم يُروَ عن أحد منهم إلا عن عبدِ الله بن عباس.
والأخبارُ الواردةُ عنه بذلك أخبارُ آحادٍ لا نجدُ أنفُسَنا عالمةً بصحّتها لا
اضطراراً ولا نظراً واستدلالاً، فلا حجّةَ فيها.
على أنّه يمكنُ لو صحّت الأخبار التي قدّمنا ذكرَها عن ابن عباسٍ في
هذا الباب وعُلِمَ بثبوتها: أن يكونَ كفُّ القومِ عن إنكارِها لأنّه لم يظهر
ويشيعَ فيهم، وإنّما يجبُ أن يُنكِروا ما تأدّى إليهم، وقد يمكنُ أن يكونَ
أيضا إنما تركوا إنكارَ قوله لذلك، وإنما قال: "سرقَ الشيطانُ من إمام
المسلمين آيةً، ومن تركَ قراءةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ترك من كتابِ الله آيةً"
ونحو ذلك، وهذا كلّه قولُه ورأيُه وليسَ فيه ما رفَعَه إلى رسول الله صلى الله
عليه، فقد بيّنَ بتركِ الذكرِ لذلكَ الشك في صحةِ مذهبه وعدم العلم بأنه حق أو باطل، وقد يترَكُ كراهةَ المناظرةِ عليه والعلم بأنّه ليس من الأمّة قائل
بذلك، وأنه لا شبهة في بطلانه، وأن المناظرة عليه تغري صاحبَها بالتمسُّك
به، وقد يُنزل الله عليه لاعتقادِ كثيرٍ منهم أنّ ذلك مسألةُ اجتهاد وأن الغلطَ
فيها سهل مغفور لموضع أنّ الرسول كان يفتتح السُّوَرَ بها، وربما جهر بها
إمام الجهر في صلاته، وأنّ ذلكَ قائم مقامَ توقيفه على أنّها قرآن منزل.
فيصيرُ ذلك محَقه التأويل، والصحيحُ أن هذه الأخبارَ غيرُ ثابتةٍ ولا معلومةٍ
عن ابن عباس، فلا وجهَ لدعوى ظهورِ هذا القولِ وانتشارِه في الصحابةِ مع
الإمساكِ عليه.


الصفحة التالية
Icon