على ما بيّنّاه من قبل، ولأجل أنّهم سمعوا الرسولَ يفتتحُ في الصلاةِ ببسم الله
الرحمن الرحيم، ويجهَرُ بها أحيانا إمامُ الجهر، فأجُيزَ الائتمامُ به في افتتاح
السور في الكتابةِ بها، وليس مثلَ عددِ مَن فعله في تَعشِيرِ القرآنِ وكتبِ رأسِ
الأجزاء والأسباع والأخماس وخاتمِ كذا وعددِ آياتها كذا، وكَتْبِ التفسيرِ مع
التأويل.
وإذا كان ذلك كذلك بأن أنه لا حجَّةَ لهم في شيءٍ مما أوردوه، وأن
بسم الله الرحمن الرحيم ليست بآيةٍ من القرآن، وأنّها جُعِلت علامة وفاصلةً
بين السور، وأمارة على ختم السورة والأخد في الأخرى.
فإن قال قائل: فإذا كان الأمرُ فيها على ما وصفتم فلمَ لم تكتَب في أول
سورةِ براءة للفصل بينَها وبينَ الأنفال؟
قيل له: لأمرَين:
أحدُهما: أن رسول الله - ﷺ - لم يفعلُ ذلك ليُشعِرَ من بعد أهل عصرهِ أن السلفَ من الأمّة الآخذِين عنه لم يكتبوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في فواتح السور باجتهادِهم وآرائهم، وإنّما اتّبعوا في ذلك ما سُن وشُرعَ لهم، وأن ذلك لو كان برأيهم لوجبَ عليهم أن يكتبوا بين الأنفالِ وبراءة، لأنه لا معنى يقتضي الفرقَ بين الفصل بين هاتين السورتين بها وبين الفصلِ بين غيرِهما بها، ولو فعل ذلك في غيرِ سورة براءةَ وأسقطَها من افتتاحها لسد ذلك مسدَّ اطراحها من أولِ سورة براءة في إشعارهم بهذا الباب، ولو أعلمهم أيضاً - سبحانه - أنّ السلفَ ما كتبوها في أوائل السور إلا لسُنَّة الرسول بغير هذا الوجه وشيء سوى إسقاطِها من أولِ سورةِ براءة لصح ذلك منه وجاز، غيرَ أنه يمكن أن يكون إعلامُهم هذا الباب بهذا الضرب من التنبيه وبإسقاطها من