الإشاعةِ والإذاعةِ والإعلامِ، وقطعِ عُذرِ الكافّةِ فيه، وأنّ منه ما قد أُثبِتَتْ بظن واجتهاد، وإعمال رأيٍ وظنّ بمَن رواه لهم من جهةِ الآحاد، وشَهِدَ عندَهم من العدول بأنه سمعه من الرسول وتلقّاه، وكل هذا نقض لما أصَّلتُموه، وخلاف لما ادّعيتمُوه.
يقال لهم: الذي عندنا في هذا أنّ دعاءَ القنوت ليس من القرآنِ بسبيل.
ولأنه لو كان من القرآنِ لكانَ بيانُ النبيِّ - ﷺ - وإيعازه في أمرِه كبيانه لسائر القرآن، ولكانت الحجَّة ُ قائمةً والعادةُ جاريةً بضبطه عنه وحفظِه، وتوفر الهِمَمِ والدّواعي على إظهاره وإشهاره، فإذا لم يكن أمرُه كذلك بطلَ بُطلانا بيناً أنّه من القرآن، ولأننا أيضاً قد عَلِمنا قصورَ نظمه في البلاغة والفصاحة عن رتبة القرآن وإن كان أفصح وأوجز وأحسنَ من كثيرِ من كلام العرب، وإنما يَعلمُ ذلك ويتأملُه أهلُ العلم والفصاحة وأهلُ البيانِ والبلاغةِ والمعرفةِ بنظوم الكلام وأوزانِه وموقع معانيه، وشرفِ تأليفه ومعانيه، ومباينته لسائرِ ما قَصُرَ عن بلاغته.
ويدل على ذلك أيضاً ما سنذكرُه من اتفاق أُبيّ وعبد الله وجميع الأمَّة
على تصحيح مصحف عثمانَ وأنّ ما انطوى عليه هو جميعُ القرآنُ الثابت
الرسم، وأنّ ما خالفه وزادَ عليه فليس بقرآن، والأمّة لا تجتمعُ على خطأ
وضلال، وقد ثبتَ أنّ أُبيّا عُمِّرَ إلى زَمَنِ جمعِ عثمانَ الناسَ على مصحفه.
وأنه كان أحد من حضرَ ذلك وأشادَ به بما سنذكره فيما بعدُ إن شاء الله فلعلّ
أُبيًّا إن كان قال ذلك أو كتبَ الدعاءَ في مصحفه ورُقَعِهِ التي كان يثبت فيها
القرآنَ إنّما قاله وأثبته على وجهِ التوهم والغَلَطِ ثم استدرك ذلك واسترجع
لمّا وجدَ الأمّة دافعة لذلك وراغبةً عنه، ولمّا عَلِمَ أنها لا تجمع على خطأ
وتضييع للحق.


الصفحة التالية
Icon