ومما يدلُّ على وهاء هذا الخبر عن أُبي علمُنا بأن عثمانَ يُشدّدُ ويُصعّبُ
في قبض المصاحف المخالفة لمصحفه، وفي المطالبةِ بها وتحريقِها ودرسِ
آثارِها، والمنعِ من العملِ على ما فيها، وإذا كان ذلك كذلك كانت العادةُ
توجبُ أن يكونَ مصحفُ أُبي أولَ مقبوض ومأخوذ، وأن يكون عثمانُ تَسَرعَّ إلى مطالبته وحرصِه على قبضه وتحصيلهِ أشدّ من تسرعه إلى مصحف غيره ممن تَنقُصُ رتبتُه عن منزلته، ولا تتعلَّقُ القلوبُ وتتطَلّعُ النفوسُ إلى ما عندهُ وما في مصحفه، وقد جاءت الروايةُ عن محمد والطُفَيل ابنَي أُبيّ بن كعبٍ وأنّهما قالا لوفدٍ من أصحابِ عبد الله عليهما يطلبُ مصحف أبيهما، فذكرا أنّه قد قبَضه عثمانُ منه، وإذا كان ذلك كذلك، وجبَ أن يكونَ مصحفُ أُبيّ الذي فيه إثباتُ هذا الدعاء - إن كان ذلك على ما رُوِي - مما قد أُخذ وقُبِض، فكيف بَقِيَ حتى رآه الناسُ ورووا أنّه كان عند أنس بن مالك وأنّه كان فيه دعاءُ القنوت!
ويقولُ بعضُهم: هذا لا أصلَ له، وقد رأينا مصحف أنسٍ الذي ذكر أنه
مصحفُ أُبيّ وكان موافقا لمصحفِ الجماعة بغيرِ زيادةٍ ولا نقصان، ولو
صحّ وثبتَ أنه وُجِدَ مصحفٌ يُنسب إلى أُبيّ فيه دعاءُ القنوت لوجب أن يُعلم
أنّه متكذّب موضوعٌ قُصِدَ بوضعه لفساد الدين وتفريق كلمة المسلمين والقدح، في نقلِهم، والطعن في مصحفهم الذي هو إمامُهم، ولا ينبغي لعاقلٍ أن يقطعَ الشهادةَ على أُبيّ بأنّه أثبتَ دعاءَ القنوتِ في مصحفه واعتقد أنه قرآنٌ بوجود صحيفةٍ ذلك فيها يُذكَرُ أنّه مصحَفُ أُبيّ من وجهٍ لا يُوجبُ العلم ولا يقطعُ العُذر ولا يَحُلّ في الظهور والانتشار محلّ ما من شأنه أن يظهر عن مثل أُبيّ ويكثرُ الخوضُ فيه والروايةُ له.