على أنه لو صحَّت الروايةُ عن أُبى بإثباتِ دعاءِ القنوتِ في مصحفه من
وجهٍ لا يمكن جحدُه والشك فيه لوجَبَ أن يُحمَلَ ذلك منه على وجهٍ لا
يقتضي اعتقادَ كويهِ قرآناً ومخالفةِ الجماعة في ذلك، بل على ما يُوجِبُ
موافقةَ الأدلة التي قدَّمنا ذكرَها، وهو أنْ يكون أُبى لمَّا وجدَ دعاءَ القنوتِ
وداوَمَ عليه رسولُ الله - ﷺ - وصارَ سُنةً متأكدةً وبابا من أبواب الشريعة وعملاً من أعمال الصلاة يجب حفظه والمواظبةُ عليه: رأى أن يثبِتَه في آخر مصحَفه أو تضاعِيفه إن كان مصحفُه مثبَت على قدر ما كان من
أخذِه وحفظه للقرآن على غيرِ ترتيبِ السُّور وتاريخ نزوله، لكي لا يذهب
عليه كلمة ولا حرف من الدعاء، لا على أنه قرآن منزَل ومما قد قامت
الحجة به، فهذا غيرُ ممتنعٍ ولا مدفوعٍ.
ويمكنُ أيضاً أن يكونَ لم يثبت دعاءَ القنوت في مصحفه، ولكن في
صحيفةٍ أو ورقةٍ كان فيها كلام أرادَ نقلَه وضمه إلى المصحف، وكما يتفقُ
للناس مثلُ ذلك عند الحاجَةِ إلى التعليق والضبط، فلما حُمِلَت الصحفُ
والرقاعُ إلى أبي بكرٍ الصديقِ رضوانُ الله عليه لِيَجمعَ ما فيها ويَضُمه ويجعلَه
إماما وجد دعاءَ القنوت في بعض ما كان عند أبى، ثم درس ذكرُ ذلك
والخوضُ فيه والسؤالُ لأبى عنه لعلمه بارتفاعِ الشُبهة عنه في أنه دعاء ليس
بقرآن، فلما تمادى الزمانُ وجمع عثمانُ الناس على مصحفه وحرقه جدد
ذكره لذلك مجدداً وأعاده وأبداه ليجعل ذلك ذريعةً إلى مخالفة عثمانَ
وتسهيل سبيلٍ لقرآنٍ غير ما في مصحفه وظهوره.
وقد يُمكن أيضاً أن يُحمَلَ أمرُ أُبي في هذا الباب على غاية ما حاولوه
من أمره، وهو أن يُقال إن ذلك إن صحَّ عن أُبي فإنه إنما فعلَ ذلك لأنه
اشتبَه عليه دعاءُ القنوت وظن لفصاحته وبلاغته ووجدانه مداومةَ الرسول - ﷺ -


الصفحة التالية
Icon