وزن كلام العرب، ولكن يحتاجُ ذلك إلى لطيفِ فكرٍ وتدبُر ونقلٍ وتأملٍ.
وما يُعلَم أن أحداً من الأمَّة يُنكِرُ أن لا يكونَ العلمُ بكون جميع القرآن معجزاً
مما يُعلم بالبَدِيهةِ وبأول سماعٍ حتى يعرف أن دعاءَ القنوت ليس بمُعجِزٍ كما
يَعرِفُ أنه كلامَ أعيى الناسِ وألكَنهم ليس بمعجز، ويعرفُ أن الناسَ والفَلَقَ
مُعجِزتانِ بأولِ سماعٍ لهما، كما يَعرِفُ بأن البقرةَ وآل عمران مُعجز باهِرٌ
بأول سماع، بل لا يُنكر أن يكونَ مما ليس بمُعجزٍ من الكلام ما يكادُ أن
يخفى ويُقارب، فيحتاج إلى تأمل، وأن بعضَ ما هو مُعجز إذا كان يسيراً
قليلاَ كالناس و (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) احتاج في العلمِ بأَنه مُعجِزٌ إلى نظرٍ
دقيقٍ وفكرٍ وتحر بقدرِ شَرَفِ نظم الكلام ومعانيه، وعدد ما يشتملُ عليه من
المعاني الصحيحةِ والمقاصدِ الكثيرة، وإذا كان ذلك كذلك جازَ أن يكونَ
حالُ أُبي محمولةً في ذلك على بعض هذه الوجوه التي ذكرناها.
وقد زعمَ أيضًا بعضُ الناس أن دعاءَ القنوتِ مُعجزٌ قاهر من كلام رسولِ
الله صلى الله عليه، وإنه لا يمتنعُ أن يكونَ المعَجزُ من الكلام والنظم
ضربَين: أحدُهما: كلامُ الله، والآخرُ: كلام لرسوله، وفي هذا نظرٌ أيضاً.
لأن رسولَ الله - ﷺ - ما ظهر عندَ التحدي بمثلِ شيءٍ من كلامه، ولا ادعى ذلك قط لنفسه، ولو كان ذلك كذلك لظهرَ ذلك عنه وعُلِمَ من حاله، ولكان ذلك زيادةً في حُجته، ولأن ذلك أيضا لو فعلَه عند قومٍ لعادَ بتهمته ودخولٍ الشُبهة على سامع كلامِ الله منه، وظنه أنه من بلاغته هو صلى الله عليه ونظمه، ورجع بالشك في ثبوته، والله تعالى قد حماهُ مما هو دون ذلك من قول الشعر المعروف عندَهم، ومن أن يَخُط كتاباً أو يتلُوَه قبلَ نبوته، لئلا يظنوا أنه من تقوله وأنَّه افتراه ونَظَمَه، أو أنه مما وجده في الكتبِ ولُقنَه.
ولأجل أن تأملَ كلام القُنوت ينبي مَن عرفَهُ أنه ليس بمُعجِز البشر عن
الإتيانِ بمثله وإن كان من فصيح الكلام ووَجِيزِه وبليغه، فوجَبَ أنه لا معنى


الصفحة التالية
Icon