منها، فمن أجل ذلك قَرَنتُ بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن
الرحيم ووضعناها في السبع الطَوال ".
فهذا تصريحٌ من عثمان بأنَّه لم يكن من الرسول نص على وجوب تأليف
الأنفال إلى براءة، وأنهم إنما عملوا ذلك بالرأي والاجتهاد الذي ذكره
عثمانُ عن نفسِه، وما غلب على ظنّه، وليس في الأمّة من يفرق بين تأليف
السورة فيجعلُ بعضَه مضيّقاً مُوقَفَا على ترتيبه وبعضه موسّعا ومخيّراً فيه
وغير منصوص على تأليفه، فلذلك لم يجز لأحد أن يقول: إنما ترك رسولُ
الله - ﷺ - التأليف والترتيب في الأنفال وبراءة فقط، وأوجبه ونصّ عليه في غيرها.
فإن قال قائل: فهل تزعمُون أنّ ظن عثمان لكون براءة من الأنفال لشبه
قصتها بقصتها صحيحٌ وأمرٌ يجوزُ الاعتلالُ به؟
قيل له: لا، ولسنا نعلمُ قطعاً أن كلام عثمان خرج على هذا الوجه، بل
لعله خرج على وجه آخرَ بزيادةِ لفظة ونقصان لفظة اختصرَه الراوي أو زادَ
فيه، ويدل على ذلك أيضا أنّ عثمانَ قد قال وعَلِمَ أن كلّ واحدة من
السورتين لها اسمٌ يخُصها وعَلَمٌ تُعرَفُ به، وأنه قد كان يتلقى إحدى
السورتين على عهد الرسول، وبعده مَن لا يحفظُ الأخرى ولا يعلمُها ومَن
يضمُ إلى تعلُّم الأنفال سورةً أخرى مما بعدَ براءة، وكلُّ هذا يُوجِبُ أنّهما
سورتانِ منفصلتانِ تُعرَفُ كل واحدة منهما بغير التي تُعرَفُ بها الأخرى.
وليس تركُ الفصل بينهما بكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ دليلاً على أنّهما
سورة واحدة، لأنه قد يجوزُ أن يكون إنما لم يكُتب في أول براءة بسم الله
الرحمن الرحيم لما قدَّمناه من قبلُ من كونها نازلة بالسيف لا أمانَ فيها، أو
لغمر ذلك، لا لأنها من جملة الأنفال، ويدلُّ على صحة ما قلناهُ ويوضحُه ما


الصفحة التالية
Icon