"لو رآه السلطان لأدبه" وكلام هذا نحوه، قالوا: يدل ذلك على وجوب ترتيب السور وتأليفها في القراءة والرسم.
وهذا لا حجة فيه، لأنهما إنما عنيا بذلك من يقرأ السور منكوسة ويبتدأ من آخرها إلى أولها، لأن ذلك حرام محظور، وفي الناس من يتعاطى هذا في القرآن وفي إنشاد الشعر فيُذلل عند نفسه بذلك لسانه ويقتدر به على الحفظ، وذلك مما حظره الله تعالى ومنعه في قراءة القرآن لأنه إفساد للسورة ومخالفة لما قصد بها وتجاوز لما حد في كتابتها وتلاوتها، وليس يريد بذلك من قرأ القرآن من أسفل إلى فوق، ومن بدأ بـ آل عمران وثنى بالبقرة وكيف يريدون ذلك وهم قد علموا اختلاف تأليف المصاحف، وأن في الأمة من يبدأ بحفظ ما خف من المفصل ثم يرتفع إلى حفظ ما طال وصعب، ومنهم من يحفظ متفرقا من المواضع المختلفة ويتلوه كذلك، ومن يصلي به في فرائضه ونوافله على هذا الوجه، وهو مذموم بل عمل الأمة على تجويز ذلك وأنه شائع مستقر إلى اليوم، وقول ابن مسعود: "ذاك رجل منكوس القلب"
إنما خرج على وجه الذم، فلا ذم على من قرأ البقرة وثنى بالنحل لو صلى كذلك، فثبت أن التأويل ما قلناه.
ويدل على ذلك قول ابن عمر: "ولو رآه السلطان لأدبه أو عاقبه"، وقد عُلم أنه لا أدب ولا عقاب على من قرأ البقرة وثني بالحج، فصح أن تأويل منكِّس القرآءة تنكيس آيات السور، وقول عبد الله بن مسعود: "ذاك رجل منكوس القلب" يعني أنه مقيم على معصية الله تعالى ومخالف لأمره في لزوم ترتيب آيات السور وترك قلبها أو قلب حروف آياتها.