ويقال لهم: "ضعوا هذه في السورة التي يُذكَرُ فيها كذا"، فلو أتلفوا
السورةَ على تاريخ النزول لوجبَ أن ينقضُوا ترتيبَ آياتِ السور ويخلطوها
ويجعلوا بعضَ هذه السورة في هذه السورة، وبعضَ هذه في هذه، وهذا
تخليط وإفساد قد حُرمَ عليهم.
ولو قصدوا أيضاً إلى تأليف معظم ما نزلَ من الآي متتابعا، فجعلوه في
صدر السور وأخَّروا ما نزل بعدَ ذلك لم يكن فيه فائدة ولا دلالة على تاريخ
الناسخ والمنسوخ، لأن الآيةَ الناسخةَ قد تنزلُ بعد المنسوخة في سورتها
فيُؤمروا بإثباتها قبلَ المنسوخة، وربما كانت الناسخةُ مدنيّةً فيؤمروا بإثباتِ
ذلك في سورةٍ مكيةٍ وأن لا يثبَتَ في شيءٍ من المدنيّة، فلا معنى لضم ما
يُقارِبُ نزولُه وتوالي ذلك وجعلِه في صدورِ السور لأجل ما وصفناه.
وقد يجوزُ أن يكونوا إنما عدلوا أيضاً عن هذا خوفاً من أن يَظُنَّ ظان
أن ترتيبَ جميع آيات السور على هذا التاريخ، وذلك أمرٌ يُدهِشُه، ويخيَّلُ
إليه أنّ الآية َ الناسخةَ ليست بناسخة لما تقدَّم من نزوله إذا وجدوها في آخرِ
السورة وكانت المنسوخةُ متقدمةَ النزول وفي صدر السورة، فإذا خِيفَ ذلك
ولم يُؤمَن توهمُ مثلِه وجبَ العدولُ عن مراعاةِ تاريخ نزولِ القرآنِ في تأليف
سُورِه، ووجبَ أن يكون ضمهما على وجه المشاكلة والمقاربة والتصنيف
لذلك، وضمُ الشيء إلى ما يقاربه أولى، وسقطَ بذلك ما سألَ عنه السائل.
فإن قال قائل: وما الدليلُ على صحّةِ ما ادَّعَيتموه مِن أنّ الرسولَ كان
يأمرُ بإثباتِ الآية ِ النازلةِ في سورةٍ متقدمة النزول دونَ الموضع الذي قبلَها في
قربِ نزوله؟
قيل: هذا ظاهر مكشوف من دينِ الرسول وحالِه وأمرِه برسمِ القرآن.
وقد وردت بذلك الأخبارُ وتظاهرت، فروى الكلبيُّ عن أبي صالح عن ابن