وأن يضعوا في ذلك كيف رأوا وأحبوا، فإن كان قد وقفهم على الترتيب
وتأليف آياتِها على النظام الذي هيَ عليه في الإمام فذلك ما نقولُ، وإن كان
قد نصَّ لهم على التخيير في ذلك وجبَ أن يظهر هذا من دِينه ويُعرَفَ من
حالِه وتتوفَّر الدواعي على نقله وذكره، وأن لا يَسُوغَ أن يقعَ من الأمّة ترتيب للسور وحصر لها وتتميزَ بأسماءٍ تُدعى بها، وأمورٍ تُذكَرُ فيها، كما أنّه لو نصَّ - ﷺ - على جوازِ تقديمِ الآية ِ على غيرِها وتأخيرِ المتقدِّم منها من كلماتِها وحرفها وتقديمِ المتأخِّر، وعلى جوازِ القراءة من آخر السورةِ إلى أوّلها: لوجب أن يكونَ ذلك ظاهراً منتشراً عنه ومعلوماً من دينه، وفي العلمِ ببطلانِ ذلك وعدمِ ذكره، وعملِ الأمّةِ بخلافِه بأخذهم أنفسَهم ومَن يُعلِّمونه بقراءةِ السورة على ترتيبِ آياتِها، وحظرِ تأخيرِ المقدَّم منها وتقديمِ المتأخِّر وخلطِها بغيرِها: أوضحُ دليلٍ على فسادِ هذا القول، فأمّا نصه على الترتيبِ الذي قلناه، فقد ذكرنا تظاهُرَ الأخبارِ به مِن قبل، وبينّا أنّ عملَ الأمّة مستقِرّ بذلك، وحاصل إلى اليوم.
ويدلُّ على ذلك أيضا ويُوضِحه ما قدَّمنا ذكرَه من قول عبدِ الله بن مسعودٍ
وابنِ عُمرَ فيمَن يقرأ القرآنَ منكوساً: "ذاك رجل منكوسُ القلب "، و"لو رآه السلطانُ لعاقَبه "، وقد بيّنا أنّ ذلك غيرُ واجبٍ في تقديم بعض السور على بعض، فيجبُ أن يكونَ في تقديمِ بعضِ آياتِ السور على بعض، وعلى أنّهما إن كانا عَنَيا بذلك تقديمَ بعضِ السور على بعضٍ فلأن يكون تقديمُ بعضِ آياتِ السور على بعضٍ وخلطُها بغيرها أولى وأحرى أن تستحق ذلك، فهذا أيضاً يدلُّ دلالةً قاطعةً على علمِهم بوجوبِ ترتيبِ آياتِ السور في الكتابةِ والتلاوة.
ولو كان الأمرُ على ما يدَّعيه السائلُ عن هذا الباب لم تَحتَجِ السورُ إلى
أن يكونَ لها أوَّل وآخِر، وابتداءٌ وخاتمة، ولم يكن على أحدٍ في حفظ