ولو كان من عبد الله هذا الخلاف على الصّحابة مع العلم بأنهم يعتقدون
كونَ المعوّذتين قرآنا، ويرون أن جاحدهما بمنزلة جاحد الكهف ومريم.
لوجب في مستقر العادة أن يَعظُمَ ردهم عليه وعسفُهم له، وتبكيتُهم إياه.
والمطالبةُ له بذكر ما دعاه إلى ذلك، والمناظرةُ له على ما يحتج به ولكان
ذلك أعظم معايب عبد الله وسقطاته عندَ مخالفه ومنافِره، ولوجبَ أن يحتج
بذلك عثمانُ عليه في عزله والعدول في كتابة المصحف عنه، ولوجب
تغليطُ القومِ له، والحكمُ عليه بالكفر والردة، وأنه بمثابة من جحدَ جميعَ
كتاب الله، وأن يطالبوا الإمامَ بإقامةِ حق الله تعالى عليه في ذلك، ومفارقته
وترك مقاربته على جحد ما يعلمون أنه سورتان من كتاب الله، لأنهم أنكروا
عليه ما هو دون هذا، وكرهوه من قوله حيثُ قال: "معشرَ المسلمين أعزلُ
عن كتابة المصحف، والله لقد أسلمتُ، وإنّ زيداً لفي صلب رجلٍ
كافرٍ".
قال ابنُ شهابٍ وغيره: "ولقد كره مقالته هذه الأماثلُ من أصحاب
رسول الله - ﷺ - " وما هذا نحوه من اللفظ، وقد كان ناظره عثمانُ وراسله مناظرةً ظاهرةً على امتناعِه من تسليمِ مصحفه، فكيفَ لم يُناظرهُ على إنكاره المعوذتين ويهتِفْ به ويجعل ذلك ذريعةً وسبيلاً إلى الدلالة على سُوء رأيه وشدّة عناده، وأنّه لا يجبُ أن يُعبأ بمَن جحدَ سورتين من كتاب الله قد اشتُهرَ نص الرسول عليهما في الخاص والعام، والصغير والكبير، والقاصي والداني.