والأسودُ بن يزيد بن قيس، وجماعة غيرُ هؤلاء أخذوا عنه ورَوَوا قراءته، فما ذكر عن جميعهم ولا عن أحدٍ منهم رواية ظاهر ولا غيرُ ظاهرة أنّه أنكرَ كون المعوّذتين قرآناً ولا أسنده عن عبد الله، ولا قال - مع إضافته ذلك إلى عبد الله - إنه حق على ما ذكره ولا أنّه باطل يُرغبُ عنه، وقد عُلم بمسقر العادة أنه إن كان قد صح عن عبد الله كونُ المعوذتين غير قرآن فلا بُد من معرفة أصحابه والمتمسِّكين
لحرفه، والمنحازين إلى كتبته، والناصرين لقوله من أن يعرفوا ذلك من دينه
وأن يكونوا أقرب الناس إلى العلم به، وأنّه لا بدّ مع ذلك أن يُصوبوه على
قوله هذا ويتَّبعوه، أو يردوه ويُنكروه، ولا بُدّ من ظهور ذلك عنهم وانتشاره من قولهم، وأن يكون قولُهم فيه من موافقة عبد الله على ذلك ومخالفته أشهر وأظهر من تمسُّكهم بحرفه وأخذهم أنفسهم به، ولو قد كان منهم أحدُ الأمرين لاستفاضَ وظهر ولزم قلوبنا العلمُ به والخنوعُ بصحته، فلمّا علِمنا وعلم الناسُ جميعاً أنه لم يُروَ عن جميع الصحابة ولا عن أحدٍ منهم قول ولا لفظة في هذا الباب - أعني إنكار عبد الله لكون المعوذتين قرآنا - عَلمْنا أنّه لا أصل لما يُدعى عليه من ذلك وأنّه زُور وبُهتان.
فإن قيل: فلعلّ أصحابَ عبد الله إنما لم يَعرضوا لذلك عن عبد الله لقُبحِ
هذا القول عندهم وشناعته وخروج قائله عن مذهب الأمَّة، وتركه ما يجبُ
عليه عن الإقرار بتوقيف رسول الله - ﷺ - على المعوذتين ونصّه.
قيل له: فقد كانوا مع هذا قوماً مسلمين أخياراً أبراراً، فكان يجبُ
انحرافهم عن عبد الله في هذا القول وإظهارُهم لغَلَطِه، وتفنيدُ رأيه، لأنّ
العادة لم تَجْرِ بإمساك مثلهم عن إنكار منكر لأجل تعصُّبٍ وميلٍ وطلب