معروفٌ من فضائله ومناقبه وشدّة نُسكه ومسألته، وكلما وصفناه من حاله
يقتضي نفيَ هذا التكدُّب عليه.
قال بعض أصحابنا: ومما يدلُّ على أنّ المعوذتين قرآنٌ منزل من عند
الله تعالى اتفاقُ الأمَّة في هذا العصر وقبلَه من الأعصار من لدن التابعين
وإلى وقتنا هذا على أنّهما من جملة القرآن، فلو ثبتَ أن عبد الله خالف في
ذلك أهل عصره لوجب أن يكون حصولُ الإجماع بعده على خلاف قوله
قاطعاً لحكم خلافه، لأن الإجماعَ بعدَ الاختلاف حجة ٌ، كما أنه حجة ٌ إذا
انعقد وانبرم ابتداءً عن غير اختلافٍ تقدم، وقد أوضحنا نحنُ فيما سلفَ أن
هذه الروايةَ متكذبةٌ مفتعَلةٌ، وأنّه لم يُحفظ على عبد الله حرفٌ واحدٌ في
التصريح بأن المعوذتين ليستا من القرآن فلم يُحتَج مع ذلك إلى التعلُّق
بالإجماع بعدَ الاختلاف.
وممّا يدلُّ أيضاً على تكذُّب هذه الرواية على عبد الله والغلط والتوهم
للباطل في هذه الإضافة إليه تظاهرُ الأخبار عن النبيّ - ﷺ - بالنص على أنّ المعوذتين من القرآن، ومن أفضل ما أنزله الله عليه، وكثرةُ أقاويلهم وتضخيمُ شأنهما وصلاتُه بهما جهراً، وإن مثل هذا إذا كَثرُ وترددَ وجب ظهورُه وانتشارُه، وأن يكون متواتراً عن الرسول - ﷺ - على المعنى وإن لم يكن اللّفظُ متواتراً، وإن مثل هذا لا يكادُ يخفى على عبد الله وينطوي عنه حتى لا يسمعه ولا شيئاً منه من الرسول، ولا يَبلُغَه عنه من الجهات المختلفة فيحصُل العلمُ به حسب حصوله بجميع ما اشتهر من دينه وظهرت فيه أقاويله.
فمن هذه الأخبار المروية عن الرسول في هذا الباب ما رواه قيسُ بنُ
أبي حازم عن عُقبةَ بن عامر الجُهني قال: قال رسولُ الله - ﷺ -: