جائزٌ وأنّه حقّ وصوابٌ: لكان ذلك من فعله حسناً جائزاَ ولا سيّما إذا كان
ذلك أسهلَ عليه وأيسر.
وإذا ظن أنّ أخْذَه على المتعلم بالجائز أقربُ عليه وأسهلُ وأن تجويزَ
إقرائه بحرفٍ على وجهِه مما يَشُق ويصعب ويُنفرُه عن الحفظ والضبط.
فكذلك الرسولُ عليه السلامُ إذا خُيِّرَ في إقراء الناس بالسبعةِ الأحرفِ المنزلةِ
عليه وجُعِلَ له فعلُ الأخف عليه، ولم يُؤخَذ عليه تفصيلُ تعريفِ ذلك
الناس، وظنَّ أنّ إقراءَهم بالجائز من ذلك أسهلُ عليهم وأيسر: جاز له له
تلقينُه على هذه السبيل وأن يقرىءَ رُبعَ القرآنِ بحرفٍ منها ويقرىءَ الربعَ
الآخرَ بحرفٍ آخرَ ويقرىءَ كل سُبعٍ منه بحرفِ من تلك السبعة، ويخلطَ ذلك
فلا يُفضَلَه تفصيلاً تعرفُه الأمةُ والآخذون عنه حرفا من حرف، بل يظنون
ذلك حرفاً واحداَ من السبعة يُقرأُ على وجهينِ وثلاثةٍ أو سبعة، أو حرفان
منها يُقرآنِ على تلك الوجوه.
ويجوزُ أن تكونَ هي كل السبعةِ قد أُقرِئوا بها شائعاً في جميع القرآن.
ويكونَ ذلك أصلحَ لهم وأنفعَ وأقربَ إلى تحفُّظِهم وحرصهم وتسهيل
دواعيهم على جميع القرآن ومعرفةِ تأويله وأحكامه دونَ عدد حروفه.
وتجريدِ كلِّ حرفٍ منه، غيرَ أنه لا بدَّ في الجملةِ مِن أن يُشتهرَ عن رسولِ الله
- ﷺ - جملةُ ما أقرأ به من الحروف، إما بتلقَيهِ منه أو بالإخبارِ به عنه، وإن لم يُعرَف بذلك تفصيلُ السبعةِ الأحرف.
فإن قال قائل: فهذا الذي ذكرناه من إقراءِ الرسول والصحابةِ على هذا
الوجه يُوجِبُ أن تكونَ الصحابةُ غيرَ عالمةٍ بأنّ القرآنَ أُنزل على سبعةِ أحرفٍ
ولا متَّبعِين لذلك: أنّها إذا لم تَعرف ولا كلُّ واحدٍ منها تلكَ السبعةَ الأحرفَ
وتُفصِّلَها لم تكن عالمةً بأنه مُنزَلٌ على سبعةِ أحرف.


الصفحة التالية
Icon