فإن قالوا: فإذا قلتم إن الرسولَ صلى الله عليه لم يكن يبينُ لكل واحدٍ
ممَن يُقرئه جميعَ الأحرفِ والوجوهِ التي نزلَ القرآنُ عليها ويُفصلُها لكل الأمة
مجتمعين، وأنَّه كان يُقرِئهم قراءةً مختلفةً من تلك الحروفِ وعلى سبيلِ ما
تيسَّر له: وجبَ أن لا تقومَ الحجَّة ُ على الأمَّة بكل حرفٍ مما أقرأ به، وأن لا
يتيَقَنَ ذلك من دينه، وأن يَجدَ المُلحِدُ والمعاندُ سبيلاً إلى إدخالِ حرفٍ
ووجهٍ في القرآن ليسَ هو مما أُنزل على الرسول، ويعملَ له إسناداً وطريقا
ويُضيفَه إلى النبى صلى الله عليه ويُدخل بذلك فيما أنزل الله تعالى - من
الوجوه ما لم يُنزِله، ويُفسدَ القرآنَ ويوقعَ الشبهةَ والإلباسَ على أهل
الإسلام، كما زعمتُم من قبلُ أنه لو كان يبينُ بعضُ القرآن بيانا خاصًّا لا
تقوم به الحجَّة ُ لصارَ ذلك طريقا إلى أن يُدخَلَ في القرآنِ كلمات وأيات
تقصُرُ عن حدّ المعجز، وأن يُضافَ ذلك إلى الرسول أو أن يكونَ ذلك ذريعةً
إلى الشبهة والإلباس، وهذا ما لا فصلَ لكم فيه.
يقال له: لا يلزمُ ما وصفتَه، لأننا قد قُلنا مِن قبلُ إن رسولَ الله صلى الله
عليه وإن كان لم يبيِّن تفصيلَ الحروفِ السبعة لكل واحدٍ ممَن أقرأه وأخذَ
عنه ولا جمَعَ الأمَّة ووقفهم على ذلك، وأنَّه كان يُقرىءُ بما يَسْهُل وُشرُ له
وللمتعلم منه، فإنه لا بُدَّ أن يظهرَ عنه ويستفيضَ كل وجهٍ وحرفٍ قرأ به
وأقرأه، إما بتكررِ سماعِ ذلك منه أو بالنَّقل له عنه، ولا بُدَّ أن يَبلُغَ الحديثُ
والسماعُ في طول تلكَ السنين، وتكرير عرضِه صلى الله عليه القرآنَ على
جبريلَ عليه السلامُ في كل عام، وعرْضِه إيَّاه مرتين في العام الذي ماتَ
فيه، وتكزُرِ قراءته وإقرائه إيَّاه وأخذهِ عنه مبلَغا يظهرُ ويستفيضُ حتى يزولَ
عن الناس فيه الرََّيبُ والشك، وأنه مما قرأه رسولُ الله صلَّى الله عليه وأقرأ


الصفحة التالية
Icon