﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ (بعلى) ﴾، وأمثالِ هذا إذا كان قد ظهرَ
وانتشرَ عنه جميعُ ما أقرأ به وليس هذا من جُملتِه، وإذا كان ذلك كذلك فقد بطلَ ما سألوا عنه بطلانا ظاهرا.
فأما قولُهم: كيف يسوغُ أن تدّعوا ظهورَ إقراءِ الرسول بهذه الوجوهِ
وأنتم تختلفون في تفسيرها فإنّه لا تعلُقَ فيه، لأنّنا قد بيَّنّا أنّ رسولَ الله صلّى
الله عليه أقرأ بجميعِها وظهرَ منه ذلك، وأنّه مع هذه الحال لم يفسر تلكَ
الوجوهَ ويُسمي كلَّ شيءٍ منها باسمٍ يخُصه، فنحنُ نعلَمُ في الجملةِ أنّه منزَل
على سبعةِ أحرفٍ وأنّ الرسولَ قد بفلغها وأقرأ بها وظهرت عنه، وإن اختُلِفَ في تأويلِها لعدمِ نصِّه على التأويلِ والتفسير، كما أنّنا نعلمُ أن ما بلّغه قرآن مِن عند الله، وأنّه قد بينهُ وظهرَ عنه وقامت الحجّة بانّه كلام الله تعالى، وإن كنّا نختلف في تفسير كثيرٍ منه ونتنازع في تأويله الذي لم ينص لنا صلّى الله عليه ولا وقَفَنا عليه، فاختلافُنا في تفسير الآية ِ لا يمنعُنا من العلمِ بأنّها قرآن، ، وكذلك اختلافُنا في تأويل السبعة الأحرف والأوجه لا يمنعنا من العلم أنّه مُنزَل على سبعة أحرف، وأنّ الرسولَ - ﷺ - قد بلَّغها وأقرأَ بها، فبطلت بذلك شبهتُهم باختلاف الأمّة في هذا الباب.
وأمّا قولُهم: إنكم قد روَيتُم في تفسير هذه الأحرف ما لا يمكنُ ولا
يجوزُ في صفة الرسولِ أن يُفسِّرها به، نحوَ روايةِ مَن روى أنها: أمر ونهي
وقَصَصٌ ومواعظُ وأمثالٌ وحلال وحرام ونحو ذلك، وأنّه لا يجوز أن يكون
الجاعلُ مكانَ الأمر نهياً وموضعَ الوعظ مثلاً ومكانَ الوعدِ وعيداً: مُحسناً
مصيباً، وأنتم قد روَيتم أنّ النبيَّ - ﷺ - قال لكلِّ مُختَلِفَين في هذه الأحرف: "أحسنتُما وأصبتُما"، و"هكذا أقرأتكما"، والرسولُ عليه السلام يَجِلُّ من هذه الصفة ويرتفعُ عن هذه الرتبة، بل يجبُ تبرئةُ أدنى المؤمنين


الصفحة التالية
Icon