وكذلك إذا عُلم أن في الناس الألكنَ والفصيحَ والألثغَ والطلق الذرب
والتمتام العيّ، والقادر المنبسط ساغَ أن ينزلَ القرآنَ بالهمز وغير الهمز.
وأن يجعلَ مكان الحركة التي تثقل على التمتام تسكينا لا يثقُلُ عليه، وهذا
أولى وأجدر وأقربُ في تخفيف المحنة وتيسير العبادة وأحرس للعباد إلى
الطاعة.
وكذلك إذا جاز أن يُعلم أن من الناس السكتة النزر الكلام القليل
الحفظ، وأن منهم الذكى الحفوظ الذي يميل طبعُه إلى تشويق
الكلام والتبسط والتصرف في وجوه الألفاظ والعبارات، وأنه يُنقلُ عليه لزومُ نهجِ واحدِ وسبيلِ لا يختلفُ في النطقِ ويعظم عليه حفظُ ذلك، ويؤديه
تكليفُه إيَّاه إلى الضجر والملل وقلة الرغبة والإعراض، جاز لذلك أن ينزله
على حرفين وسبعةِ وعشرة ليحفظه على الوجه الواحد مَن قدَّمنا ذكره.
ويحفظ على هذه الوجوه الكثيرة من وصفنا قدرته وتبشطه وميله إلى الإكثار
والتنفُل في وجوه الخطاب.
وكذلك أيضا فقد يجوز أن يعلم سبحانه أنَّه إذا أنزل القرآنُ على حرفِ
واحد، لزم الأمَّة بأسرها أن لا تُقرأ الآية، جاز أن يشُك شاك في ذلك
الحرف ويتبناه، وينطلق لسانُه بحرفِ غيره يقوم مقامه ولا يُبطلُ معناه.
وأنهما إذا ترافعا إلى النبي - ﷺ - فاقرأهما فأخطأ أحدُهما وترك القراءة بذلك الحرف الواحد المنزل، وقال له الرسول عند ذلك: أخطات، أو أسات، أو ما هكذا أقرأتك، انكسفَ باله وصغرت حاله ونفسه، وانكسرت حدته، وفترت شهوتُه، وقل حرصُه، وصار ذلك طريقا إلى ضجره وملاله،