"أعرِبوا القرآنَ والتمِسوا غرائبه، وغرائبُه فرائضُه، فإنّ القرآن أنزل
على خمسة وجوه: حلالٍ وحرامٍ ومحكمٍ ومتشابهٍ وأمثال، فخذوا بالحلال
ودعوا الحرام، واعملوا بالمحكم وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال ".
فهذه الثلاثةُ الأخبارُ تقتضي أن يكونَ القرآنُ منزلاً على ثلاثة أحرف
وعلى أربعة أحرف وعلى خمسة أحرف، وقد بيّنا فيما سلف أنّ ذلك لا
يُناقضُ ما رُوي من أنه منزل على سبعة أحرف، وتكلمنا على ذلك بما
يوضِّحُ الحق، وقلنا إن ذلك الحلالَ والحرام، وما أتبع يُحتمل أن يكونَ
وجهاً من وجوه السبعة، وأن الأظهرَ أنه غيرُها، لأنّ تلك مُخيرُ في القراءة
بأيها شاء القارىء على ما وردت به الرواياتُ التي سنذكرها، وقلنا إن الثلاثةَ الأوجه والأربعةَ التي لم تُفسِّر بهذه الأقسام من الأمر والنهي وغيرهما.
يحتمل أن يكون بعض السبعة التي خُيِّرَ الناسُ في القراءة بأيها شاؤوا.
ويُحتمل أن تكونَ غيرَها.
وقد تحتملُ أيضا هاتان الروايتان أن يكون معنى قول النبى صلّى الله
عليه أنزلَ القرآنُ على ثلاثةِ أحرفٍ وعلى أربعةِ أحرف، أن من الحروفِ
السبعةِ حرفا يُقرأ على ثلاثة أوجه، وإن حرفا منها آخرَ يُقرأ على تلك الثلاثة وعلى وجهٍ رابع، أو أن حرفا منها يقرأ على أربعةِ أوجهٍ غير الثلاثة الأوجه التي يُقرأ حرف آخرُ من السبعة عليها، ويكونُ باقي السبعة الأحرف لا يُقرأ كل شيءٍ منها إلا على طريقةٍ واحدة، فلا يكون في هذا تعارض ولا تناقض.
ويمكن أيضا أن يكون أراد بهذين الخبرين أنّ ثلاثةَ أحرفٍ من تلك
السبعةِ الأحرف يُقرأ على وجهٍ ونحوٍ من الاختلاف متقارب، ليس بالمتباينِ
الشديد وهو حرفُ زيدٍ والجماعة، والذين أكثرُهم كان يألفُه ويقرأ به
ويعلق بقلبه وينطلقُ به لسانُه، وأربعةُ أحرفٍ أخر من السبعة منزلةٌ على تباينٍ