وأنه لا يجوزُ أبداً أن تتفق الأمَّة ُ على حظرِ ما أحقه اللهُ تعالى وتخطئة من
أخبر اللهُ بصوابه، لأنّ ذلك إجماع على خطأ وهو ممتنعٌ على الأمَّة.
وأنه لا يسوغ أيضا لمذعٍ أن يدّعي أن ما أحقهُ اللهُ وأطلقه وحكمَ بصوابِ
فاعله حلالٌ بشريطة أن لا يُحرِّمه إمامُ الأمَّة ويمنعُ منه أو بأن لا يُجمِع
المسلمونَ على خلاف ما حكمَ الله به، لأن الإجماعَ على ذلك خطأ وإجماعٌ
على مخالفة حُكمِ الله سبحانه، ولن يجوز أن يتّفق منهم أبداً، ولأن ذلك لو
ساغ أن يقالَ في بعض ما حكم الله به لساغ أن يقالَ مثلُه في جميع أحكام الله
تعالى، وأنّ جميعَ ما أحقهُ وحرّمه وأوجبه وأباحه وأطلقه إنما أوجبه وأباحَه
وحرمه بشريطة أن لا يحكمُ إمام الأمَّة فيه بخلاف حكم الله تعالى، ويرى أنّ
مخالفةَ حكمِ الله من مصالح الأمّة، وبأن لا يجمع الأمَّة على مخالفة حُكمِ
الله بذلك الشيء، ويرى أنّ منعَهُ أصوبُ وأحوطُ للأمَّة من إطلاق مقال لا
ينكر سقوطَ قطع السارق وجلد الزاني والقصاص إذا أدّى ذلك في بعض
الأوقات إلى تهارُج الأمّة وسفكِ الدماء وتعطيل جميع الحدود والأحكام.
وأن يُسقط أيضاً لمثل ذلك في بعض الأحايين فرضَ الصلاة والحج
والصيام، إذا خيفَ في تيقنه فرضَه على الناس تهارج وفتنةٌ وتعطيل الأحكام
والارتداد واللحوق بدورِ الكفر، فإنّ من صارَ على ذلك أجمعَ خرقَ
الإجماع وفارق الدين، وإن أباه لم يجد فصلا.
وإن قال: إنّه لا يجوز أن تفسُدَ الأمَّة أو بعضُها بنفيه بعض الأحكام على ما
حكم به، ويكون ذلك لطفا في فسادها، قيل له: وكذلك لا يجوز أن يتّفق مثلُ هذا في إطلاق القراءات التي أنزلها اللهُ سبحانه وأحقها وحكمَ بصواب القارىء بها.