ثم اختلفوا في تأويل الخبر من وجهٍ آخر، فزعمَ قوم أنّ كلّ كلمةٍ
تختلف القراءةُ بها فإنها مقروءة منزلة على سبعةِ أوجهٍ وإلا بطلَ معنى
الحديث.
قالوا: ولكنّا نعرفُ بعضَ هذه الأوجهِ في الكلمة المختلفة القراءةِ
لظهور نقلِه ومجيءِ الخبرِ به، ولا يُعرفُ بعضُها، لأنّ الخبرَ لم يأتنا بذلك.
وقال منهم قائلون: ليس بموجبِ ظاهر الحديثِ أكثرُ من أن يوجدَ في القرآن
كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه، فإذا حصلَ ذلك تمّ معنى الحديث.
وأنّنا لا نعرفُ قدرَ ما فيه ممّا أُنزلَ على سبعةِ أحرفٍ على التحقيق، غير أننا
نعرفُ أن ذلك شي بلا كثير لاختلافِ القراءة في مواضعَ كثيرة، ولو لم توجد
فيه إلا كلمةُ تُقرأ ليقرأ على سبعةِ أوجهٍ فهي أوفت الحديث معناه.
والذي نختارُه أن معنى ذلك: أنه وجه وطريقة يُقرأ عليها جميعُ القرآنِ
أو معظمُه أو قريباً من معظمِه، وهذا التأويل هو المراد بقول الناس:
حَرْفُ عثمانَ والجماعةِ يخالفُ حرفَ عبدِ الله بن مسعود، وحَرْفُ أبيّ غيرُ
حَرْفِ زيد، وفلان يقرأ بحرف عاصمٍ دونَ حمزة، يعني بذلك وجهاً وطريقةً
من القراءةِ يقرأُ معظمَ القرآنِ عليها.
ومن البعيد أن يكون ذلك منصوباً إلى كلمةٍ منه أو اثنتين فقط تُقرآن
على سبعة أوجه، لأن قولَه: أنزلَ القرآنُ على سبعة أحرف".
عبارة لا تستعملُ في العادةِ إلا في جميع القرآنِ أو معظمه، يدل على ذلك أنّ الناسَ إذا اختلفوا في بيتٍ من قصيدةٍ أو كلمة أو رسالةٍ أو مسألةٍ أو كلمةٍ من كتابٍ مصنف، لم يَجُزْ في العادة أن يُقال: هذه القصيدةُ أو الخطبةُ أو الرسالةُ تُنشد وتُروى على وجهين أو وجوه، وإنما يجبُ أن يُقال: إن الكلمةَ الفلانيةَ من الخطبةِ أو البيت الفلاني من القصيدةِ تُنشد وتروى على وجوه، وكذلك


الصفحة التالية
Icon