ويدلُّ على فساد هذا التأويل أيضا أنّ قارئاً لو قرأ مكان (وجاء ربُّك)، ووافى ربّك، وقرأ: "إني ماضٍ إلى ربي" مكانَ، (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي)
ولو قرأ: "جيئوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم" أو: "وافوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينَكم" مكانَ قولِ اللهِ تعالى: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)
لم يَسُغْ ذلك ولم يَحِلَّ بإجماعِ المسلمين، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما قالوه
من كل وجه، ولسنا ننكرُ مع ما أفسدنا به قولَهم أن يكونَ من الحروف السبعةِ التي أُنزل بها القرآنُ هذا الوجه بأن يكون اللهُ تعالى ذكر شيئا أو أشياءَ من كتابه باسمين مختلفين ولفظين متغايرين أو أسماءَ متغايرةٍ مختلفةِ الصور، ويكون هذا البابُ حرفاً ممّا أنزلَه وطريقةً وقراءةً معروفة، ولكنها تكون مع ذلك بعضُ السبعةِ الأحرف، ولا يكون معنى جميعِ السبعةِ الأحرفِ هذا الوجهَ.
وقد رُوي أن عبدَ اللهِ قرأ "كالصوف المنفوش" مكان (العهن المنفوش).
وقرأ: "إن كانت إلا زَعْقَةً واحدةً" مكانَ: (صَيْحَة وَاحِدَةً).
وقرأ بعضهم: "إنّ شجرةَ الزقوم طعامُ الفاجر" مكانَ: (طَعَام اَلأَثيم).
فيكون هذا الاختلاف في الأسماء التي معناها واحدٌ وجهاً مما
أنزلَه اللهُ تعالى وسمّاه الرسولُ حرفا، وجعلَه بعضَ السبعةِ الأوجهِ التي أنزلَ
الكتابُ بها، وإنّما ننكرُ أن يكون هذا الضربُ فقط هو معنى جميعِ الوجوه
والأحرفِ التي أنزلت على ما قالَه أصحابُ هذا التأويل، فهذا هو الفصل
بيننا وبينهم في تنزيل هذا الوجه ومرتبتِه، فدلّ ما ذكرناه على أنّ المرادَ بذكر
الأحرف السبعةِ المطلقة للاختلاف إنّما هو أوجه.